ثمّ إنّ الحنفية قالت بأنّ الجارية تحت الحرّ إذا أُعتقت لها الخيار كالمعتقة تحت العبد لاشتراكهما في كونهما جاريتين اعتقتا ، ولكن من أين نعلم بأنّ الانعتاق تمام المناط للحكم؟ ولعلّ كونها تحت العبد وافتقاد المماثلة جزء العلّة؟ فما لم نقطع بالمناط لا يمكن إسراء الحكم ، وهذا هو الذي دعا الشيعة إلى منع العمل بالقياس وطرح تخريج المناط الظني الذي لا يغني من الحق شيئاً.
إلى هنا تمّ الدليل الأوّل للقائلين بالقياس وإليك دليلهم الثاني.
ب. انّ نصوص القرآن والسنّة متناهية ، والوقائع غير محدودة فلا يمكن أن تكون النصوص المتناهية مصادر تشريعيّة لما لا يتناهى ، والقياس هو المصدر التشريعي الذي يساير الوقائع المتجدّدة ، ويكشف عن حكم الشريعة فيما يقع من الحوادث. (١)
يلاحظ عليه : أنّ استدلاله هذا أشبه بدليل الانسداد عند القائلين بحجّية الظن المطلق ، ومن المعلوم أنّه لا تصل النوبة إلى الظن إلّا بعد انسداد باب العلم ، والعلمي ، لكنه مفتوح عندنا ببركة أحاديث العترة الطاهرة الّذين أمر النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) بالتمسّك بهم وبالكتاب معاً.
إنّ أهل القياس من السنّة رووا وصحّحوا حديث الثقلين فيجب عليهم الرجوع إليهم في العقيدة والشريعة لكونهم عدل القرآن ولو رجعوا إليهم لاستغنوا عن العمل بالقياس الذي ما أنزل الله به من سلطان.
إلى هنا تبيّن عدم توفر دليل صالح لحجّية القياس مع قطع النظر عن النهي الوارد فيه ، وقد عرفت تضافر الروايات على النهي عن القياس ، ولنذكر ما روي عن أعلام السنّة حول القياس :
__________________
(١). الشوكاني : نيل الأوطار : ١٥٢ / ٣.