يستحسنه المجتهد بعقله. ولعلّ التعريف الثاني أوفق كما يظهر من الأمثلة التي سنذكرها.
وقد كان مالك بن أنس أكثر الناس أخذاً به ، حيث قال : الاستحسان تسعة أعشار العلم ؛ وكان الشافعي رافضاً له ، حيث قال : من استحسن فقد شرّع ؛ إلى ثالث يفصِّل بين الاستحسان المبني على الهوى والرأي ، والاستحسان المبني على الدليل.
والقول الحاسم في الاستحسان هو أن يقال : إنّ المجتهد المستحسِن إذا استند إلى ما يستقل به العقل من حسن العدل وقبح الظلم ، أو إلى دليل شرعي ، فلا إشكال في كونه حجّة ، لأنّه أفتى بالدليل ، لا بمجرّد الاستحسان ، وأمّا إذا استند لمجرد استحسان طبعه وفكره ، وأنّ الحكم الشرعي لو كان كذا لكان أحسن ، فهو تشريع باطل ، وإفتاء بما لم يقم عليه دليل شرعي وهو تشريع محرّم.
ولنذكر أمثلة :
١. انّ مقتضى قوله سبحانه :(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما). (١) هو قطع يد السارق من دون فرق بين عام الرخاء والمجاعة ، لكن نقل عن عمر عدم العمل به في عام المجاعة.
٢. يقول سبحانه : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ). (٢) وقد نقل عن مالك بن أنس إخراج الأُم ، الرفيعة المنزلة التي ليست من شأن مثلها أن تُرضع ولدها.
يلاحظ عليه : بأنّ التفريق بين عام المجاعة وغيره ، أو بين الأُمّهات ، إن كان
__________________
(١). المائدة : ٣٨.
(٢). البقرة : ٢٣٣.