مستنداً إلى دليل شرعي لا أقلّ من انصراف الدليل عن عام المجاعة ، أو الأُم الرفيعة المنزلة فهو ، وإلّا فلا وجه لصرف الحكم عنهما ، لأنّ ذمّة المجتهد رهن إطلاق الدليل الأوّل فلا يجوز له العدول عن مقتضى دليله إلى حكم آخر بمجرّد الاستحسان وموافقته لطبعه ، بل لا بدّ من دليل شرعي يعتمد عليه في العدول ، وعلى ضوء ذلك فالعدول لو كان مستنداً إلى دليل شرعي فهو عدول من حجّة إلى حجّة أقوى ، سواء استحسنه الطبع أم لا ، وإن لم يكن كذلك فهو تشريع محرّم.
وبذلك يظهر أنّ الاستحسان بما هو استحسان ليس له قيمة في مجال الإفتاء ، بل الاعتبار بالدليل ، فلو كان هناك دليل للعدول فالمنكر والمثبت أمامه سواء ، وإن لم يكن فلا وجه للعدول.
ولأجل ذلك نرى أنّ بعض المتأخرين من أهل السنّة فسّره بوجه ثالث ، وقال : هو العدول عن حكم اقتضاه دليل شرعي في واقعة إلى حكم آخر فيها ، لدليل شرعي اقتضى هذا العدول ، وهذا الدليل الشرعي المقتضي للعدول هو سند الاستحسان. (١)
أقول : إذا كان ثمة دليل معتبر على العدول فلا عبرة بالاستحسان حتى يكون الدليل سنداً وعماداً له. ويكون استخدام لفظ «الاستحسان» في المقام غير صحيح ، لأنّ الفقيه إمّا يعتمد على دليل شرعي ، فالحجّة هو الدليل سواء استحسنه المجتهد أم لا ، وإلّا فلا قيمة له بمجرد أنّ الفقيه يميل إليه بطبعه.
__________________
(١). عبد الوهاب الخلاف : مصادر التشريع الإسلامي : ٧١.