الله عنه ـ قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثنا أحمد
__________________
كان من ذلك ولكن كان الاطّلاع عليه لم يحصل عادة إلّا للأوحديّ من الناس على سبيل خرق العادات ـ كإنباء الناس بما يأكلون ويدّخرون في بيوتهم ـ وسواء كان هذا الغيب موجودا في حال الإيمان به ، أو وجد في الماضي وطرأ عليه الانصرام والانعدام ، أو كان ممّا يوجد في المستقبل.
فكلّ ذلك من الغيب إذا كان ممّا يمتنع إدراكه ، أو لا يدرك إلّا بالعقول والأفهام ، أو لا يدرك بالحواس في بعض الأحوال للجميع أو للبعض إلّا بالإعجاز وخرق العادات ، فالله تعالى الأزلي الأبدي السرمدي غيب ؛ لأنّه لا يهتدى إليه إلّا بالعقول والدلائل العقليّة ويمتنع إدراكه بالحواس ، وغيب ؛ لامتناع معرفة كنهه وحقيقته بالعقول والأفهام ، وأشراط الساعة ، ونزول عيسى وظهور المهديّ عليهماالسلام ، وسؤال منكر ونكير ، وعذاب القبر ، والصراط والميزان ، والجنّة والنار ، وكيفيّة بدء الخلق ، وخلق آدم والمسيح ، وكيفيّة الجزاء والعقاب ، والملائكة وأصنافها ، والوحي النازل على الأنبياء ، وأحوال الأنبياء والامم الماضية ، والحوادث الآتية ، وكذا معجزات الأنبياء المنصرمة : كقلب العصا بالثعبان ، وناقة صالح ، وفلق البحر ، وإبراء الأكمه والأبرص ، ممّا جاء في القرآن والأحاديث المعتبرة ، وغير ذلك ممّا لا طريق لمعرفته عادة إلّا بإخبار النبيّ أو الوليّ كلّها غيب ؛ لأنّه لا طريق من العقول إليها ، وليس لمعرفتها طريق إلّا إخبار من يخبر عن الغيب بالعناية الربانيّة.
هذا ، وربّما يقال بظهور «الغيب» في غير الامور المعلومة بالدلائل العقليّة والآثار والآيات الظاهرة كوجود الله تعالى وصفاته وأسمائه ، وغير ما هو المعلوم على الجميع وما ثبت وجوده بالتواتر مثل : البلاد النائية ، ووجود الشخصيّات المشهورة في التاريخ ، ووجود الأجداد والجدّات ، وبناة الأبنية ، وما على الأرض من آثار الأقدمين. ولذلك فسّر بعضهم «الغيب» في هذه الآية بكلّ ما لا تهتدي إليه العقول من : أشراط الساعة ، وعذاب القبر ، والحشر والنشر ، والصراط ، والميزان ، والجنّة ، والنار. قال الراغب في المفردات : الغيب مصدر غابت الشمس وغيرها إذا استترت عن العين ، يقال : غاب عنّي كذا ، قال تعالى : (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) ، واستعمل في كلّ غائب عن الحاسّة ، وعمّا يغيب عن علم الإنسان بمعنى الغائب ، قال : (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) ، ويقال للشيء : غيب وغائب باعتباره بالناس لا بالله تعالى ، فإنّه لا يغيب عنه شيء كما لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات والأرض ، وقوله : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي ما يغيب عنكم وما تشهدونه ، والغيب في قوله : (يُؤْمِنُونَ