ابن محمّد بن عيسى ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن غير واحد من
__________________
بِالْغَيْبِ) ما لا يقع تحت الحواس ولا تقتضيه بداية العقول وإنّما يعلم بخبر الأنبياء عليهمالسلام ، وبدفعه يقع على الإنسان اسم الإلحاد ، ومن قال : الغيب هو القرآن ، ومن قال : هو القدر ، فإشارة منهم إلى بعض ما يقتضيه لفظه ، وقال بعضهم : معناه يؤمنون إذا غابوا عنكم ، وليسوا كالمنافقين الذين قيل فيهم : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ).
وقال شيخنا الطوسي (تفسير التبيان : سورة البقرة ، ضمن قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ...) : وقال جماعة من الصحابة ـ كابن مسعود وغيره ـ : إنّ الغيب ما غاب عن العباد علمه من أمر الجنّة والنار والأرزاق والأعمال وغير ذلك ، وهو الأولى ؛ لأنّه عامّ ، ويدخل فيه ما رواه أصحابنا من زمان الغيبة ووقت خروج المهدي عليهالسلام.
ويمكن أن يوجّه ذلك التفسير بأنّ معنى «الغيب» وإن كان عامّا يشمل الامور المعلومة التي لا تدرك إلّا بالعقول إلّا أنّ من الممكن أن يكون الألف واللام هنا للعهد وأريد به ما روي عن ابن مسعود وغيره لا الجنس ، إلّا أنّه يمكن أن يستظهر من طائفة من الأحاديث التي أخرجها المفسّرون في تفسير الآية كون معناه عامّا يشمل ما غاب عن العباد رؤيته وإن لم يغب عنهم علمه (راجع الدرّ المنثور : ج ١ ص ٢٦ و ٢٧) ، والله أعلم.
ثمّ لا يخفى عليك أنّ بعضهم (انظر مجمع البيان : ج ١ ص ٣٨ من سورة البقرة آية ٣ ، وتفسير الكشّاف : ج ١ ص ٣٨ منشورات دار الكتاب العربي بيروت) فسّر الغيب وقال : يجوز أن يكون «بالغيب» في موضع الحال ولا يكون صلة ليؤمنون ، أي يؤمنون غائبين عن مرأى الناس. وهذا التفسير مضافا إلى أنّه هنا خلاف الظاهر تردّه الروايات المعتبرة وأقوال الصحابة.
نعم لعلّه هو الظاهر من مثل قوله تعالى : (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) (يس : ١١) ، وقوله تعالى : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) (الأنبياء : ٤٩).
ولا يخفى عليك أنّ لهم في تفسير الآية والفرق بين الغيب والغائب كلمات وأقوالا غير ما أشرنا إليه ، من أرادها فليرجع إلى التفاسير الكبيرة.
ثمّ إنّه لا ريب ـ على جميع التفاسير المؤيّدة بالأحاديث وأقوال الصحابة ومشاهير المفسّرين ـ أنّ المراد بالغيب ليس كلّ ما غاب عن الحواسّ ؛ لأنّه لا ريب في عدم وجوب الإيمان بكلّ ما كان كذلك ، وليس في الإيمان به ومعرفته غرض ومصلحة ترجع إلى كمال الإنسان وأهداف النبوّات ، فلا يجب الإيمان بالكائنات الغائبة عن الحاسّة ، أو ـ