أصحابنا ، عن داود بن كثير الرقّي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول
__________________
ـ الوقائع الماضية والآتية التي لا شأن لمعرفتها في الدين ، فالغيب كلّ ما كان كذلك ممّا يجب الاعتقاد به شرعا أو عقلا ، أو لا يجوز إنكاره والشكّ فيه بعد إخبار النبي والوليّ عنه ، ويجب التصديق به وإن لم يكن ممّا وجب الاعتقاد به ، والفرق يظهر بالتأمّل (راجع في ذلك كتابنا «مع الخطيب» ، فصل : غلط الخطيب).
كما لا ريب في أنّ الإيمان بعالم الغيب وعالم الباطن وغير المحسوس في مقابل عالم الشهادة والظاهر والمحسوس واجب ، سواء كان الغيب في هذه الآية يشمله أو لا يشمله ، فالاعتقاد بأن دار التحقّق والوجود لا يقصر على عالم الشهادة والمحسوس هو أصل دعوة الأنبياء ، ودعوتهم أقيمت على الدعوة بالغيب المسيطر على هذا العالم ، والإيمان بجنوده الغيبيّة كجنوده المشهودة المحسوسة ، وعلى أنّ هذا العالم آية عالم الغيب ، وأنّ عالم الشهادة متأخّرة عن عالم الغيب كتأخّر الأثر عن المؤثّر ، والمصنوع عن الصانع ، والمكتوب عن الكاتب ، والكلام عن المتكلّم ، بل الحقّ الثابت والذي لا ينفد ولا ينقضي ولا يفنى ولا يبيد هو عالم الغيب ، وعالم الشهادة بالنسبة إليه كالظلّ ، وهو بجميع مظاهره جلوات عالم الغيب وآياته.
اللهمّ ارزقنا الإيمان بك وبكلّ ما غاب عنّا من قدرتك وجلالك ، وأذقنا حلاوة الإيمان حتّى لا نحبّ تأخير ما قدّمت ، ولا تعجيل ما أخّرت.
هذا وقد ظهر لك ممّا تلونا عليك في هذا البحث الطويل ـ الذي كان للبحث عنه مجال غير هذا الكتاب ـ أنّ الإيمان بالمهدي ـ الذي بشّر به الرسل وبشّر به خاتمهم وسيّدهم صلىاللهعليهوآلهوسلم وثبت ذلك عند الفريقين بالتواتر القطعيّ واتّفق المسلمون عليه ـ داخل في الغيب الذي وصف الله بالإيمان به المتّقين ، والروايات الواردة في ذلك عن أهل البيت عليهمالسلام فسّرت الآية به على سبيل الجري والتطبيق لأجل التنبيه على دخول ذلك فيه ، ولو لم ترد تلك الروايات أيضا في تفسير الآية لكنّا نقول بدخوله ودخول غيره في الغيب ممّا ثبت من الشرع وجاء في القرآن المجيد أو أخبر به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كنزول المسيح ، ودابّة الأرض ، وانشقاق السماء ، وانفطار الأرض ، وغير ذلك ؛ كخلافة الأئمّة الاثني عشر ، وظهور الإسلام على جميع الأديان.
والشاهد على أنّ ذلك من باب التطبيق وذكر أفراد المعنى الكلّي ما رواه علي بن إبراهيم بسنده عن أبي عبد الله عليهالسلام في تفسير (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) قال : يصدّقون بالبعث والنشور والوعد والوعيد. فمن العجب أنّ الآلوسي أخذ على الشيعة ويقول