الفصل التاسع والعشرون
في علّة غيبته (١) ، وفيه ٩ أحاديث
__________________
(١) اعلم أنّ اختفاء سبب الغيبة عنّا ليس مستلزما لصحّة إنكار وقوعها ، أو عدم وجود مصلحة فيها ، فإنّ سبيل هذه وسبيل غيرها من الحوادث الجارية بحكمة الله تعالى سواء ، فكما أنّه لا سبيل إلى إنكار المصلحة في بعض أفعاله تعالى ممّا لم نعلم وجه حكمته ومصلحته لا طريق أيضا إلى إنكار المصلحة في غيبة وليّه وحجّته ، فإنّ مداركنا وعقولنا قاصرة عن إدراك فوائد كثير من الأشياء ، وسنن الله تعالى في عالم التكوين والتشريع ، بل لم نعط مدارك يدرك بها كثير من المجهولات ، فالاعتراف بقصور أفهامنا أولى ، ولنعم ما قاله الشاعر :
وانّ قميصا خيط من نسج تسعة |
|
وعشرين حرفا عن معاليه قاصر |
وقال بعضهم :
العلم للرحمن جلّ جلاله |
|
وسواه في جهلاته يتغمغم |
ما للتراب وللعلوم وإنّما |
|
يسعى ليعلم أنّه لا يعلم |
وما أحسن أدب من قال : علم الخلائق في جنب علم الله مثل لا شيء في جنب ما لا نهاية له.
وقال مولانا وسيّدنا أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليهماالسلام فيما روي عنه : «يا ابن آدم ، لو أكل قلبك طائر لم يشبعه ، وبصرك لو وضع عليه خرق إبرة لغطّاه ، تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات والأرض!» ، والحاصل أنّه ليس علينا السؤال عن هذه بعد إخبار النبيّ والمعصومين من أهل بيته صلّى الله عليهم أجمعين عن وقوعها ، ودلالة الأحاديث القطعيّة عليها ، وبعد وقوعها في الامم السالفة ، كما ذكره الإمام في رواية سدير الطويلة ، قال المفيد ـ قدسسره ـ : وثمّ وليّ لله تعالى يقطع الأرض بعبادة ربّه تعالى ، والتفرّد من الظالمين بعمله ، ونأى بذلك عن دار المجرمين ، وتبعّد بدينه عن محلّ الفاسقين ، لا يعرف أحد من الخلق له مكانا ، ولا يدّعي إنسان