__________________
منهم له لقاء ولا معه اجتماعا ، وهو الخضر عليهالسلام موجود قبل زمان موسى الى وقتنا هذا باجماع أهل النقل ، واتّفاق أصحاب السير والأخبار ، سائحا في الأرض لا يعرف له أحد مستقرّا ، ولا يدّعي له اصطحابا إلّا ما جاء في القرآن به من قصّته مع موسى عليهالسلام ، وما يذكره بعض الناس من أنّه يظهر أحيانا ولا يعرف ، ويظنّ بعض الناس رآه ، أنّه بعض الزهّاد فإذا فارق مكانه توهمه المسمّى بالخضر وإن لم يكن يعرف بعينه في الحال ولا ظنّه ، بل اعتقد أنّه بعض أهل الزمان ، انتهى كلامه في «الفصول العشرة». ثمّ ذكر غيبة موسى ويوسف ويونس وغيرهم. هذا ، وقد صرّح أبو عبد الله عليهالسلام بأنّ وجه الحكمة في غيبته لا ينكشف إلّا بعد ظهوره ، وأنّه من أسرار الله (في حديث عبد الله بن الفضل الهاشمي الحديث الأوّل من هذا الباب) ، فعليه يصحّ لنا أن نقول : بأنّ السبب الأصلي في حكمته خفي عنّا ، ولا ينكشف تمام الانكشاف إلّا بعد ظهوره.
نعم ، لها فوائد ومصالح معلومة غيره ، منها : امتحان العباد بغيبته ، واختبار مرتبة تسليمهم ومعرفتهم وإيمانهم بما اوحي إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وبشّر به عن الله تعالى ، وقد جرت سنّة الله تعالى بامتحان عباده ، بل ليس خلق الناس وبعث الرسل ، وانزال الكتب إلّا للامتحان ، قال الله تعالى : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ) ، وقال عزّ شأنه : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ، وقال سبحانه : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) ، ويستفاد من الأخبار الّتي تقف عليها في هذا الكتاب أنّ الامتحان بغيبة المهدي عليهالسلام من أشدّ الامتحانات ، وأنّ المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد.
هذا مضافا إلى أنّ في التصديق وعقد القلب والالتزام والإيمان بما أخبر به النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من الامور الغيبيّة امتحانا وارتياضا خاصّا ، وثمرة لصفاء الباطن وقوّة التديّن بدين الله تعالى ، فامتحان الناس بغيبته عليهالسلام يكون عملا وإيمانا وعلما ، أمّا عملا : فلما يحدث في زمان الغيبة من الفتن الشديدة الكثيرة ، ووقوع الناس في بليّات عظيمة بحيث يصير أصعب الامور المواظبة على الوظائف الدينيّة. وأمّا علما وإيمانا فلأنّه إيمان بالغيب ، فلا يؤمن به إلّا من كمل إيمانه ، وقويت معرفته ، وخلصت نيته.
والحاصل أنّ الناس ممتحنون في الإيمان بالله ، والتسليم والتصديق بما أخبر به النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إلّا أنّ الامتحان بالإيمان بما كان من الامور الغيبيّة ربّما