__________________
يكون أشدّ من غيره ، وقد جاء التصريح بوصف هؤلاء المؤمنين في قوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) الآيات ، وذلك لأنّ الإيمان بكلّ ما هو غيب عنّا ممّا أخبر به النبيّ صلىاللهعليهوآله لا يحصل إلّا لأهل اليقين والمتّقين الّذين نجوا عن ظلمة الوساوس والشبهات الشيطانيّة ، وأنار نفوسهم نور المعرفة واليقين والإيمان الكامل بالله ورسله وكتبه.
ومنها : انتظار كمال استعداد الناس لظهوره ، فإنّ ظهوره ليس كظهور غيره من الحجج والأنبياء ، وليس مبنيّا على الأسباب الظاهريّة والعاديّة ، وسيرته أيضا ـ كما ترى في الأبواب الآتية ـ مبنيّة على الحقائق ، والحكم بالواقعيّات ، ورفض التقيّة والتسامح في الامور الدينيّة ، فالمهدي عليهالسلام شديد على العمّال ، شديد على أهل المعاصي ، وحصول هذه الامور محتاج الى حصول استعداد خاصّ للعالم ، ورقاء البشر في ناحية العلوم والمعارف ، وفي ناحية الفكر ، وفي ناحية الأخلاق ، حتّى يستعدّ لقبول تعليماته العالية وبرنامجه الاصلاحي.
ومنها : الخوف عن القتل ، يشهد التاريخ أنّ سبب حدوث الغيبة ظاهرا خوفه عن قتله ، فإنّ أعداءه ـ كما ستطّلع عليه في الأبواب الآتية ـ عزموا على قتله إطفاء لنوره ، واهتماما بقطع هذا النسل الطيّب المبارك ، ولكن يأبى الله إلّا أن يتمّ نوره.
ومنها : غيرها ممّا ذكر في الكتب المفصّلة.
فإن قلت : أيّ فائدة في وجود الإمام الغائب عن الأبصار ، فهل وجوده وعدمه إلّا سواء؟
قلت أوّلا : إنّ فائدة وجود الحجّة ليست منحصرة في التصرف في الامور ظاهرا ، بل أعظم فوائد وجوده ما يترتّب عليه من بقاء العالم بإذن الله تعالى وأمره كما ينادي بذلك قوله صلىاللهعليهوآله : «أهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض» ، وقوله : «لا يزال هذا الدين قائما إلى اثني عشر أميرا من قريش ، فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها» ، وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «اللهم بلى ، لا تخلو الأرض من قائم لله ... الخ» وسيجيء في الباب الآتي بعض الأحاديث في انتفاع الناس منه في غيبته.
وثانيا : إنّ عدم تصرّفه ليس من قبله ، والمسئوليّة في عدم تصرّفه متوجّهة إلى رعيّته ، وأشار إلى الوجهين المحقّق الطوسي في «التجريد» بقوله : «وجوده لطف ، وتصرّفه لطف آخر ، وعدمه منّا».