__________________
والقمح الموجود الآن لم يخلق من لا شيء ، بل هو متسلسل من ذلك القمح القديم فهو جزء حيّ من جزء حيّ ، وهلمّ جزّا إلى ستة آلاف سنة أو سبعة ، بل إلى مئات الألوف من السنين وحبوب القمح الّتي نراها ناشفة لا تتحرّك ولا تنمو ، هي في الحقيقة حيّة مثل كلّ حيّ ، ولا ينقصها لظهور دلائل الحياة إلّا قليل من الماء ، فحياة القمح متّصلة منذ ألوف من السنين إلى الآن ، وهذا الحكم يطلق على كلّ أنواع النبات ذوات البذور وذوات الأثمار ، وما الحيوان بخارج عن هذه القاعدة ، فإنّ كلّ واحد من الحشرات والأسماك والطيور والوحوش والدبابات حتّى الإنسان سيّد المخلوقات كان جزءا صغيرا من والديه فنما كما نميا وصار مثلهما ، وهما من والديهما وهلمّ جرا ، والإنسان الّذي يخلف نسلا يكون نسله جزءا حيّا منه كما أنّ البذرة جزء من الشجرة وهذا الجزء الحيّ تكوّن فيه جراثيم صغيرة جدّا مثل الجراثيم الّتي كوّنت أعضاء والديه ، فتكون أعضاؤه بالغذاء الّذي تتناوله وتمثّله فتصير نواة التمر نخلة ذات جذع وسعوف وعروق وثمر ، وبذرة الزيتون شجرة ذات ساق وأغصان وورق وثمر ، وقس على ذلك سائر أنواع النبات ، وكذا بيوض الحشرات والأسماك والطيور والوحوش والدبابات حتّى الإنسان.
وهذا كلّه من الامور المعروفة الّتي لا يختلف فيها اثنان ، ولكن الشجرة نفسها قد تعمّر ألف سنة أو ألفي سنة ، والإنسان لا يعمّر أكثر من سبعين أو ثمانين سنة ، وفي النادر يبلغ مائة سنة ، فالجراثيم المعدّة لإخلاف النسل تبقى حيّة وتنمو كما تقدّم ، ولكن سائر أجزاء الجسم تموت كأنّ الموت مقدور عليه ، وقد مرّت القرون والناس يحاولون التخلّص من الموت أو إطالة الأجل ، ولا سيما في هذا العصر ، عصر مقاومة الأمراض والآفات بالدواء والوقاية ، ولم يثبت على التحقيق أنّ أحدا عاش فيه (١٢٠ سنة).
لكنّ العلماء الموثوق بعلمهم يقولون : إنّ كلّ الأنسجة الرئيسيّة من جسم الحيوان «أقول» : الثابت على التحقيق خلاف ذلك ، فإنّ في عصرنا عاشوا جماعة أكثر من ١٢٠ سنة ، وكثيرا ما نقرأ في الصحف والمجلات أنّ فلانا عاش ١٧٠ سنة ، أو أكثر ، أو أقلّ ، منهم الشيخ محمّد سمحان على ما هو المذكور في مجلّة فارسيّة (صبا) العدد ٢٩ من السنة الثالثة سنة (١٣٢٤ ش ه) فقد عاش إلى السنة المذكورة (١٧٠ سنة) ، ونقل ذلك عن مجلّة الاثنين المطبوعة في القاهرة ، ومنهم السيّد ميرزا القاساني ساكن محلّة محتشم على ما في جريدة (برجم إسلام) العدد الثالث من السنة الثانية ، فإنّه قد بلغ عمره (١٥٤ سنة) ، والمعمّرون البالغون في العمر (١٢٠ سنة) كثيرون جدّا ، قد رأينا بعضهم ، ولا حاجة لإثبات ذلك إلى نقل ما في الجرائد والمجلات والإحصائيّات.