المسترقّ الضرير : كنت يوما في مجلس الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة ، فتذاكرنا أمر الناحية ، قال : كنت أزري عليها ، الى أن حضرت مجلس عمّي الحسين يوما ، فأخذت أتكلّم في ذلك ، فقال : يا بنيّ! قد كنت أقول بمقالتك هذه الى أن ندبت لولاية قم حين استصعبت على السلطان ، وكان كلّ من ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها ، فسلّم إليّ جيشا وخرجت نحوها ، فلمّا بلغت الى ناحية طرز خرجت الى الصيد ، ففاتتني طريدة فاتّبعتها ، وأوغلت في أثرها ، حتى بلغت الى نهر ، فسرت فيه ، وكلّما أسير يتّسع النهر ، فبينما أنا كذلك إذ طلع عليّ فارس تحته شهباء ، وهو معمّم بعمامة خزّ خضراء ، لا أرى منه إلّا عينيه ، وفي رجليه خفّان أحمران ، فقال لي : يا حسين! فلا هو أمّرني ولا كنّاني ، فقلت : ما ذا تريد؟ قال : لم تزري على الناحية؟ ولم تمنع أصحابي خمس مالك؟ وكنت الرجل الوقور الذي لا يخاف شيئا فارعدت وتهيّبته ، وقلت له : أفعل يا سيّدي ما تأمر به ، فقال : إذا مضيت الى الموضع الذي أنت متوجّه إليه ، فدخلته عفوا وكسبت ما كسبته ، تحمل خمسه الى مستحقّه ، فقلت : السمع والطاعة ، فقال : امض راشدا ، ولوى عنان دابّته وانصرف ، فلم أدر أي طريق سلك ، وطلبته يمينا وشمالا فخفي عليّ أمره ، وازددت رعبا وانكفأت راجعا الى عسكري وتناسيت الحديث ، فلما بلغت قم وعندي أنّي أريد محاربة القوم ، خرج إليّ أهلها وقالوا : كنّا نحارب من يجيئنا بخلافهم لنا ، فأمّا إذا وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك ، ادخل البلدة فدبّرها كما ترى ، فأقمت فيها زمانا ، وكسبت أموالا زائدة على ما كنت أقدّر ، ثمّ وشى القوّاد بي الى السلطان ، وحسدت على طول مقامي ، وكثرة ما اكتسبت ،