أو أقل ـ والترديد من الراوي ـ في المسجد الأعظم بالكوفة ، لأداء نافلة الليل ، عازما على الرجوع إلى النجف في أوّل الصبح ، لئلا يتعطّل أمر البحث والمذاكرة ـ وهكذا كان دأبه في سنين عديدة ـ فلمّا خرجت من المسجد القي في روعي الشوق إلى مسجد السهلة ، فصرفت خيالي عنه ، خوفا من عدم الوصول الى البلد قبل الصبح فيفوت البحث في اليوم ، ولكن كان الشوق يزيد في كلّ آن ، ويميل القلب إلى ذلك المكان ، فبينا أقدّم رجلا وأؤخرّ اخرى ، إذا بريح فيها غبار كثير ، فهاجت بي وأمالتني عن الطريق ، فكأنّها التوفيق الذي هو خير رفيق ، إلى أن ألقتني إلى باب المسجد ، فدخلت فإذا به خاليا عن العبّاد والزوّار ، إلّا شخصا جليلا مشغولا بالمناجاة مع الجبّار ، بكلمات ترقّ القلوب القاسية ، وتسحّ الدموع من العيون الجامدة ، فطار بالي ، وتغيّر حالي ، ورجفت ركبتي ، وهملت دمعتي من استماع تلك الكلمات التي لم تسمعها اذني ، ولم ترها عيني ، ممّا وصلت إليه من الأدعية المأثورة ، وعرفت أنّ الناجي ينشئها في الحال ، لا أنّه ينشد ما أودعه في البال ، فوقفت في مكاني مستمعا متلذّذا الى أن فرغ من مناجاته ، فالتفت إليّ وصاح بلسان العجم : «مهدي بيا» أي : هلمّ يا مهديّ! فتقدّمت إليه بخطوات فوقفت ، فأمرني بالتقدّم ، فمشيت قليلا ثمّ وقفت ، فأمرني بالتقدّم ، وقال : إنّ الأدب في الامتثال ، فتقدّمت إليه بحيث تصل يدي إليه ، ويده الشريفة إليّ ، وتكلّم بكلمة.
قال المولى السلماسي ـ رحمهالله ـ : ولمّا بلغ كلام السيّد السند إلى هنا أضرب عنه صفحا ، وطوى عنه كشحا ، وشرح في الجواب عمّا سأله المحقّق المذكور قبل ذلك ، عن سرّ قلّة تصانيفه ، مع طول باعه في العلوم ،