صار الأمر على العكس ، فقال المكاري متعجّبا : ما ذا حصل؟ فالجمل نفس ذلك الجمل ، والطريق نفس الطريق؟! قلت : هناك سرّ في الأمر ، وعلى حين غرّة ظهر نهر كبير على رأس الطريق ، وبقيت متحيّرا مرّة ثانية أنّه ما ذا نفعل مع هذا الماء؟ وبينا أنا في حيرتي هذه وإذا بالجمل يتقدّم الى داخل الماء ، وصار يسير يمينا تارة ويسارا اخرى ، فلمّا وصل والدي والرجل المكاري الى النهر فنادياني : إلى أين تذهب؟ ستغرق ، فإنّه لا يمكن عبور هذا النهر ، ولما شاهدوني أسير بالجمل مسرعا ولا يصيبني مكروه فتجرّءا على العبور ، فقلت لهما : تعالا يمنة ويسرة في نفس الطريق الذي يسير فيه الجمل ، فعبرا كذلك ووصلنا بأجمعنا سالمين ، فعندها ذكرت تلك الحركات التي أشار بها الإمام عليهالسلام بسبّابته الشريفة يمينا وشمالا ، وأنّها كانت إشارة الى هذا الماء.
وعلى كلّ حال ، فأخذنا نسير حتّى وصلنا ليلا إلى عدّة من البدو الرحّالة فنزلنا عندهم ، فكانوا بأجمعهم يسألونا متعجّبين : من أين أقبلتم؟ قلنا : من السماوة ، فقالوا : لقد انكسر الجسر وليس من طريق آخر إلّا العبور لهذا النهر بواسطة الطرادة ، وكان أكثرهم حيرة الرجل المكاري ، فقال : أخبرني أيّ سرّ كان في هذا الأمر؟ فقلت له : لمّا برك الجمل في ذلك المكان توسّلت بإمام الشيعة الثاني عشر ، فحضر عليهالسلام عندي وحلّ هذه المشاكل [ولا أتخطّر أنّه قال : فاستبصر هو مع تلك الجماعة أم لا] (١) ، ثم أقبلنا على حالنا إلى عدّة فراسخ من النجف الأشرف ، وعندها برك الجمل مرّة اخرى ، فطأطأت برأسي الى قرب اذنه ، فقلت له : أنت مأمور بإيصالنا الى الكوفة ، فما أن أتممت كلامي حتّى قام من مكانه وأكمل الطريق ، وعند باب بيتنا في الكوفة
__________________
(١) ما بين المعقوفتين من كلام الراوي للقصّة من الشيخ محمّد الكوفي.