فسّر الدجّال أحسن من تفسير أبي عمرو ، قال : الدجّال المموّه ، يقال : دجلت السيف موّهته وطليته بماء الذهب ، ... إلى أن قال : وقد تكرّر ذكر الدجّال في الحديث ، وهو الّذي يظهر في آخر الزمان يدّعي الإلهيّة ، وفعّال من أبنية المبالغة ، أي يكثر من الكذب والتلبيس. الأزهري : كلّ كذّاب فهو دجّال ، وجمعه دجّالون ، وقيل : سمّي بذلك لأنّه يستر الحقّ بكذبه» (١).
وقال النووي في شرح مسلم (باب ذكر الدجّال) : هذه الأحاديث الّتي ذكرها مسلم وغيره في قصّة الدجّال حجّة لمذهب أهل الحقّ في صحّة وجوده ، وأنّه شخص بعينه ، ابتلى الله به عباده ، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى ، من إحياء الميّت الّذي يقتله ، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه ، وجنّته ، وناره ، ونهريه واتّباع كنوز الأرض له ، وأمره السماء أن تمطر فتمطر ، والأرض أن تنبت فتنبت ، فيقع كلّ ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته ، ثمّ يعجزه الله بعد ذلك ، فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره ، ويبطل أمره ، ويقتله عيسى بن مريم عليهالسلام ، ويثبّت الله الّذين آمنوا. هذا مذهب أهل السنّة ، وجميع المحدّثين والفقهاء والنظّار ، خلافا لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج والجهميّة وبعض المعتزلة ، وخلافا للبخاري المعتزلي وموافقيه من الجهميّة وغيرهم ، في أنّه صحيح الوجود ، ولكن الّذي يدّعي مخارف وخيالات لا حقائق لها ، وزعموا أنّه : لو كان حقّا لم يوثق بمعجزات الأنبياء صلوات الله عليهم ، وهذا غلط من جميعهم ؛ لأنّه لم يدّع النبوّة ، فيكون ما معه كالتصديق له ، وإنّما يدّعي الالوهيّة ، وهو في نفس دعواه مكذّب لها
__________________
(١) لسان العرب : ج ١١ ص ٢٣٦ ـ ٢٣٧ مادّة «دجل».