بصورة حاله ، ووجود دلائل الحدوث فيه ، ونقص صورته ، وعجزه عن إزالة العور الّذي في عينيه ، ومن إزالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه ، ولهذه الدلائل وغيرها لا يغترّ به إلّا رعاع من الناس تقيّة وخوفا من أذاه ، أو رغبة في سدّ الزمن ؛ لأنّ فتنته عظيمة جدّا ، تدهش العقول ، وتحيّر الألباب ، مع سرعة مروره في الأمر ، فلا يمكث بحيث يتأمّل الضعفاء حاله ، ودلائل الحدوث فيه والنقص ، فيصدّقه من صدّقه في هذه الحالة ، ولهذا حذّرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من فتنته ، ونبّهوا على نقصه ودلائل إبطاله ، وأمّا أهل التوفيق فلا يغترّون به ، ولا يخدعون لما معه ، لما ذكرناه من الدلائل المكذّبة له ، مع ما سبق لهم من العلم بحاله ، ولهذا يقول الّذي يقتله ثمّ يحييه : ما ازددت فيك إلّا بصيرة. قال النووي : هذا آخر كلام القاضي (١).
وقال ابن حجر : وقال الخطابي : فإن قيل : كيف يجوز أن يجري الله الآية على يد الكافر ، فإنّ إحياء الموتى آية عظيمة من آيات الأنبياء ، فكيف ينالها الدجّال وهو كذّاب مفتر يدّعي الربوبيّة؟!
فالجواب : أنّه على سبيل الفتنة للعباد ، إذ كان عندهم ما يدلّ على أنّه مبطل غير محقّ في دعواه ، وهو أنّه أعور ، مكتوب على جبهته : كافر ، يقرأه كلّ مسلم ، فدعواه داحضة مع وسم الكفر ، ونقص الذات والقدر ، إذ لو كان إلها لأزال ذلك من وجهه ، وآيات الأنبياء سالمة من المعارضة فلا يشتبهان.
ثمّ قال ابن حجر بعد كلام الطّبري : وفي الدجّال ـ مع ذلك ـ دلالة بيّنة ـ لمن عقل ـ على كذبه ؛ لأنّه ذو أجزاء مؤلّفة ، وتأثير الصنعة
__________________
(١) صحيح مسلم بشرح النووي : ج ١٨ ص ٥٨.