رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (١).
فمن لم يؤمن بالله وقدرته وبملائكته وقضائه وقدره ، وأنّه ليس أمر ما في عالم المادّة إلّا وهو واقع تحت سيطرة عالم الغيب ، ولا يجري إلّا بقضائه وقدره ، يستغرب ـ لا محالة ـ الحقائق الغائبة عن حواسّه الماديّة من الوحي ، وما أخبر به الأنبياء ممّا لا يدرك بالحواس ومعجزاتهم ، فليس عنده تفسير لهذه الامور ، بل ربّما يستهزئ بها ويرمي قائلها بالجنون.
أمّا المؤمن بالله تعالى فيصدّق جميع ذلك ويدين به ، ولا يجوز له أن يؤوّل هذه الحقائق الّتي لا طريق إلى معرفتها إلّا إخبار الصادق المصدّق ، النبي وأوصيائه عليهمالسلام حتّى لا يستنكرها ولا يستهزئ بها من لا يؤمن برسالات السماء ، فلا يجوز للمؤمن ـ مثلا ـ تفسير الوحي بالوحي النفسيّ ، أو تأويل المعجزات الماديّة ، مثل : قلب العصا بالثعبان ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وتكلّم الصبيّ في المهد وغيرها ، وكذلك وجود الملائكة والجنّ ، وهذا باب لو قيل بجوازه في النبوّات يجعل جميعها في معرض التأويل والتغيير من كلّ أحد في كلّ أحد في كلّ زمان ، فلا يبقى أمر منها بحاله ، وليس بين هذه الطريقة وإنكار النبوّات بالصراحة فرق على التحقيق.
فإن قلت : فكيف أنتم تأوّلتم بعض الآيات مثل : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (٢) ، وقوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) (٣) ، وقوله تعالى :
__________________
(١) يس : ٧٨ و ٧٩.
(٢) الفتح : ١٠.
(٣) المائدة : ٦٤.