ردّ كلّ الأحاديث الواردة في الدجّال أمر غير مقبول ؛ لتوافرها وتعدّد طرق روايتها ، وإنّما المقبول المعقول ردّ ما جاء في بعضها ممّا لا يلتئم وطبيعة الحياة ، ولا يتّفق ومصلحة البشر.
وهذا الكاتب بعد هذا الاعتراف يقول : ثمّ إنّه ليس ما يمنع من أن يفهم الدجّال على أنّه إشارة نبويّة صادقة إلى ما سيكون من ظهور دعاة للشرّ ، يكذبون على الله ، ويموّهون الحقائق ، ويستعينون على تحقيق ما يريدون بما يتوفّر لهم من القوّة ووسائل البطش ، ومغريات الحياة الّتي لا يستطيع مقاومتها من حرم الحظّ من قوّة الإيمان وثبات العقيدة فتستهويه بأنوارها لتحرقه بنارها ، وما أكثر الفراش بين بني الانسان وليس ما يأخذ بحجز البشر عن النار إلّا ما يستقرّ في قلوبهم من الإيمان القويّ المتين الّذي يشمخ عن مجاري تيّارات الرغبة والرهبة في دنيا الناس (١).
أقول : أي مانع أقوى من ظهور اللفظ في ان الدجّال شخص بعينه ، وإلّا فيقال : ليس ما يمنع من أن يفهم عن الصلاة أو الصوم أنّه إشارة إلى رياضات جسميّة تحفظ صحّة البدن ، أو أنّ عصا موسى هي الحجّة العقليّة الّتي تعلّمها موسى عليهالسلام من الله تعالى. والحاصل : أنّه يمنع من هذا العلم ظهور الألفاظ في معانيها الّتي يتبادر منها ، ومداليلها العرفيّة واللغويّة.
ثمّ إنّ هذا الكاتب بالغ في تأويلاته حتّى قال في عيسى عليهالسلام : هل بقي عيسى عليهالسلام حتّى الآن حيّا؟ وسينزل إلى الأرض ليجدّد الدعوة إلى دين الله بنفسه؟ أم إنّ المراد بنزول عيسى هو انتصار دين الحقّ ، وانتشاره من جديد على أيد مخلصة تتّجه إلى الله ،
__________________
(١) نهاية البداية والنهاية : ج ١ ص ١٤٨.