وتعمل على تخليص المجتمع الإنساني من الشرور والآثام؟ رأيان ، ذهب إلى كلّ منهما فريق من العلماء ، وهذا هو ما يقال بالنسبة إلى الدجّال ، هل هو شخص من لحم ودم ينشر الفساد ويهدّد العباد ، ويملك وسائل الترغيب والترهيب والإفساد دون رادع من دين أو وازع من خلق حتّى يقيّض له عيسى عليهالسلام فيقتله ، أم إنّه رمز لانتشار الشرّ ، وشيوع الفتنة وضعف نوازع الفضيلة تهبّ عليه ريح الخير المرموز إليها بعيسى عليهالسلام فتذهبه وتقضي عليه ، وتأخذ بيد الناس إلى محجّة الخير؟ (١).
أقول : إنّما لم يذكر أسماء بعض العلماء القائلين ببقاء عيسى عليهالسلام ، وأنّ الدجّال شخص من لحم ودم ، لعدم الحاجة إلى ذلك ، فقد عرفت اتّفاق جميع المحدّثين من أهل السنّة على هذا القول ، ولكن كان عليه أن يذكر أسماء عدّة من الفريق الثاني ، ولعلّه طوى الكلام من ذلك لأنّه لم يجد من أكابر علمائهم بل أحدا من السلف إلى القرن الرابع عشر من كان هذا رأيه ، ومن هذا القرن أيضا لم يجد من المحدّثين والعلماء والمتمسّكين بالنصوص من كان هذا رأيه ، إلّا فئة محدودة متسمّية بالثقافة والتنوّر ، من أصحاب مدرسة الشيخ محمّد عبده ورشيد رضا الّذين آية ثقافتهم وتنوّرهم صرف نصوص الكتاب والسنّة ممّا لا يلائم آراء المادّيّين عن ظاهرها ، وعدم الالتزام بها ، وحملها على الرمز. وأنت ترى أنّه لا فرق بين عملهم الّذي يشبه تأويلات الصوفيّة الباطلة الفاسدة ، وردّ أصل الأحاديث.
هذا وقد سبق هذا الكاتب في التوسّع في تأويل بعض الآيات
__________________
(١) نهاية البداية والنهاية : ج ١ ص ٧١.