رفع عيسى عليهالسلام ونزوله ، أعني العلم الحديث المادّي الّذي لا يقبل إلّا ما يمكن إثباته بالتجارب الحسّيّة. وهذا المانع عن وقوع معجزات الأنبياء الكونيّة ووجود الشيطان عند المؤمنين بالعلم المادّي أكثر من إيمانهم بكتاب الله وسنّة رسوله ، يمنعهم ـ أيضا ـ عن القول بنبوّة محمّد صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، مستبدلين بها العبقرية. فلا يكون كتابه كتاب الله الّذي لا يجترأ على مسّه بكلّ تأويل ، ولا أحاديثه أحاديث رسول الله الّذي لا يجترأ على تكذيبها بكلّ سهولة. فلو لم تكن لإنكار رفع عيسى ونزوله أسباب خفيّة عند الشيخ المنكر ، ونظر إلى آيتي الرفع وأحاديث النزول نظر المحايد غير المرتبط بتلك الأسباب الخفيّة ، لذهب به نظره إلى التسليم بعقيدة المسلمين في رفع المسيح عليهالسلام ونزوله في آخر الزمان ، ولا رأى مانعا عنهما في آيات التوفّي الّتي تمسّك بها بدلا من الآيات والأحاديث القائمة على الرفع ثمّ النزول.
فكما أنّ قوله تعالى : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) ، وقوله : (وَرافِعُكَ إِلَيَ) ظاهران في الرفع الخاصّ الّذي يمتاز به عليهالسلام ، لا رفع الروح العامّ لجميع الأنبياء والسعداء كما ادّعاه الشيخ ، فتعقيب قوله تعالى : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ) ، وبقوله : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) قطعيّ في الرفع الّذي نقول به ، لا الرفع الّذي يقول به ، إذ لا معنى يليق بالنظم المعجز في القول بأنّهم ما قتلوه بل رفع الله روحه إليه كما فسّر به الشيخ ، لعدم معقوليّة التقابل على هذا التفسير بين القتل المنفي والرفع المثبت ، بناء على أنّ رفع الروح يمشي مع القتل والصلب ، كما يمشي مع عدم القتل والصلب ، فلا يكون ما بعد (بَلْ) ضدّا لما قبله على خلاف ما صرّح به النّحاة من أنّ «بل» بعد النفي أو النهي يجعل ما بعده ضدّا لما