قبله. وليس للشيخ المنكر لرفعه حيّا مجال للجواب عن هذا الاعتراض.
أمّا آيات التوفّي الّتي تمسّك بها الشيخ فليس فيها تأييد لمذهبه يعادل في القوّة أو يداني ما في تكميل نفي القتل والصلب بإثبات الرفع من تأييد مذهبنا ؛ لأنّ المعنى الأصليّ للتوفّي المفهوم منه مبادرة ليس هو الإماتة كما يظنّ الشيخ ، بل معناه أخذ الشيء وقبضه تماما (١) ، فهو ـ أي التوفّي ـ والاستيفاء في اللغة على معنى واحد ، قال في مختار الصحاح : «واستوفى حقّه وتوفّاه بمعنى» ، وإنّما الإماتة الّتي هي أخذ الروح نوع من أنواع التوفّي الّذي يعمّها وغيرها ، لكونه بمعنى الأخذ التامّ المطلق. وهذا منشأ غلط الشيخ شلتوت أو مغالطته في تفسير آيات القرآن الّتي يلزم أن يفهم منها رفع عيسى عليهالسلام حيّا ، لأنّه ظنّ أنّ القرآن معترف بموته في الآيات الدالّة على توفّيه ، كما ظنّ أنّ التوفّي معناه الإماتة ، نظرا إلى أنّ الناس لا يستعملون التوفّي إلّا في هذا المعنى ، وغفولا عن معناه الأصليّ العامّ ، فكأنّه قال ـ بناء على ظنه هذا ـ : لا محلّ لرفعه حيّا بعد إماتته ، لكنّه لو راجع كتب اللغة لرأى أنّ الإماتة تكون معنى التوفّي في الدرجة الثانية حتّى ذكر الزمخشري هذا المعنى في «أساس البلاغة» بعد قوله : «ومن المجاز» ، والمعنى الأصليّ المتقدّم إلى أذهان العارفين باللغة العربيّة للتوفّي هو كما قلنا : أخذ الشيء تماما ، ولا اختصاص له بأخذ الروح.
ولقد فسّر القرآن نفسه معنى التوفّي الّذي يعمّ الإماتة وغيرها ، فقال : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) فهذه
__________________
(١) كما أنّ معنى التوفية جعل الغير آخذا للشيء تماما ، قال تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) ، وقال : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ).