الآية تشتمل على نوعين من أنواع توفّي الأنفس الّذي هو الأخذ الوافي ، نوع في حالة الموت ، ونوع في حالة النوم ، فلو كان ينحصر في الإماتة كان المعنى في الآية : الله يميت الأنفس حين موتها ، ويميت الّتي لم تمت في منامها. والأوّل تحصيل للحاصل ، والثاني خلاف الواقع ، ولزم الأوّل أيضا أن تكون حالة الموت حالة إماتة الروح لا فصلها عن البدن.
ومن هذا يفهم أيضا معنى التوفّي في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) ، ومعنى قوله تعالى على هذا التحقيق : (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) إنّي آخذك من هذا العالم الأرضيّ ورافعك إليّ. وفي قوله : (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بعد قوله : (مُتَوَفِّيكَ) دلالة زائدة على عدم كون معنى توفّيه إماتته ؛ لأنّ تطهيره من الّذين كفروا بإماتة عيسى وإبقاء الكافرين لا يكون تطهيرا يشرّفه كما كان في تطهيره منهم برفعه إليه حيّا.
فإذن ، كلّ من قوله تعالى : (مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بيان لحالة واحدة يفسّر بعضها بعضا ، من غير تقدّم أو تأخّر زمانيّ بين هذه الأخبار الثلاثة ل «إنّ» ومن المعلوم عدم دلالة الواو العاطفة على الترتيب ، فلو كان المراد من قوله تعالى : (مُتَوَفِّيكَ) مميتك ، ومن قوله : (رافِعُكَ) رافع روحك كما ادّعى الشيخ شلتوت كان القول الثاني مستغنى عنه ، لأنّ رفع روح عيسى عليهالسلام بعد موته إلى ربّه وهو نبيّ جليل من أنبياء الله معلوم لا حاجة إلى ذكره ، بل لو حملنا القول الأوّل أعني : (مُتَوَفِّيكَ) على معنى مميتك كان هو أيضا مستغنى عنه ، إذ معلوم أنّ كلّ نفس ذائقة الموت ، وكلّ نفس فالله يميتها ، ومن من الناس أو الأنبياء قال الله له : إنّي مميتك؟ فهل لا يفكر فيه الشيخ