الّذي يفهم من قوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) أنّه مميته؟ إلّا أن يكون المعنى : أنّ الله مميته لا أعداؤه ، فالمراد : نفي كونهم يقتلونه ، وفيه : انّ كون الله مميته لا ينافي أن يقتلوه ؛ لأنّ الله هو مميت كلّ من جاء أجله حتّى المقتولين ، ولذا حمل كثير من المفسّرين قوله : (مُتَوَفِّيكَ) على معنى : أنّ الله مستوفي أجله عليهالسلام ، ومؤخّره إلى أجله المسمّى فلا يظفر اعداؤه بقتله.
وعندي في هذا التفسير أيضا أنّه يرجع إلى حمل «التوفّي» على معنى الاستيفاء كما حملنا نحن لا على معنى الإماتة ، لكنّ التوفّي والاستيفاء معناه : استكمال أخذ الشيء ، لا استكمال إعطائه ، فليس الله تعالى مستوفي أجل عيسى عليهالسلام ، بل المستوفي هو عيسى نفسه ، والله الموفي ، أي معطيه تمام أجله.
فقد التبس التوفّي على أصحاب هذا التفسير ـ والعجب أنّ فيهم الزمخشري ـ بالتوفية الّتي تتعدّى إلى مفعولين ، وهو خطأ لغويّ ظاهر.
وفيه أيضا تقدير مضاف بين التوفّي وضمير الخطاب ، حيث قال الله : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) أي مستوفيك لا مستوفي أجلك ، فزيادة «الأجل» تكون زيادة على النصّ ، كما أنّ زيادة الروح في آيتي رفع عيسى عليهالسلام نفسه زيادة على النصّ من جانب الشيخ شلتوت ؛ لإرهاق قول الله على خلاف ظاهر المعنى المنصوص.
وهذه الزيادة إن كانت خلاف الظاهر بين الرافع وضمير الخطاب في قوله : (وَرافِعُكَ) بأن يكون المعنى : ورافع روحك ، فهي في قوله : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) أشدّ من خلاف الظاهر ، أي غير جائز أصلا ؛ لكونها مفسدة لما يقتضيه «بل» ، من كون ما بعده وهو «رفعه الله