وفيه : « إنّ لله عبادا أطاعوه فيما أراد ؛ فأطاعهم فيما أرادوه ، يقولون للشيء كن فيكون » ، وذلك لأنّ الكلّ عباد الله ، فإذا اختار الله عبداً ألبسه خلعة التفضيل وأذن له (١) في الممالك بالتصرّف والتبجيل ، وجعل له الولاية المطلقة ، فصار عبداً لحضرته ، وخالصاً لولايته ، ومولى لعباده وبريّته ، ووالياً في مملكته ، فهو المتصرّف الوالي بإذن الربّ المتعالي.
فيا أيّها الطائر في جوّ التقليد ، والمحلّق في سماء التبليد ، لا يأوي إلى غدران الحكماء ، ولا يرتع في رياض العلماء ، ولا يثبت في قلبه حبّ ، ولا ينيب لمحجّبات (٢) الكتب ، إلى متى أنت ، أنت بعيد عن النور ، محجوب عن السرور ، غافل عن أسرار سواد السطور ، مكبّ على النظر في المسطور ، أما أسمعك منادي الرحمان : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) (٣) ، وحتّى متى أنت كشارب ماء البحر كلّما ازداد شرباً ازداد عطشاً ، ألم تر أنّ الله سبحانه خلق ألف ألف عالم مبدؤها نور الحضرة المحمّدية ، وسرّها الولاية الإلهيّة ، وختامها الخلافة المهدويّة ونور العصمة الفاطميّة ، وذلك كلّه قاض عن الكلمة السبحانية ، وهي ألف غير معطوف كما قالوا ألف غيب معطوف ، لا وألف غير معطوف ، وألف عنده الوقوف ، وألف هو منتهى الألوف ، خلقها وهو غني عن خلقها ، وسلّمها إلى الوليّ الكامل ، والخليفة العادل ، لأنه وليه ومقامه الّذي أقامه في خلقه مقامه ، والوليّ المطلق ، والمتصرّف العادل ، لا يسئل عمّا يفعل ، ولا يناقش فيما يعمل ، وكيف يسأل المؤيّد بالحكمة المخصوص بالعصمة ، الذي يريد الله ما يفعل ، لأنّ فعله الحقّ والعدل (٤).
ولله درّ من قال :
يا حبّذا مُتحاببين تواصلا |
|
دهراً وما أعتلقا بفحش أذيلا |
__________________
(١) في المصدر : « ونادى له ».
(٢) في المصدر : « ولا ينبت إلاّ في محجّبات ».
(٣) سورة النساء : ٤ : ٨٢.
(٤) مشارق أنوار اليقين : ص ٦٨.