منازل يوم القيامة ، أحاسنكم أخلاقا ، الموطئون أكنافا ، الذين يألفون ، ويؤلفون» (١) والذين أجازوا الوجهين قالوا : الأفصح المطابقة ، ولهذا عيب على صاحب الفصيح في قوله : «فاخترنا أفصحهنّ» قالوا : فكان ينبغي أن يأتي بالفصحى فيقول : «فصحاهنّ» ، فإن لم يقصد التفضيل تعيّنت المطابقة ، كقولهم : «الناقص والأشجّ أعدلا بني مروان» (٢) أي : عادلا بني مروان.
وإلى ما ذكرناه من قصد التفضيل وعدم قصده أشار المصنف بقوله : «هذا إذا نويت معنى من ـ البيت» أي : جواز الوجهين ـ أعني المطابقة وعدمها ـ مشروط بما إذا نوي بالإضافة معنى «من» أي إذا نوي التفضيل ، وأما إذا لم ينو ذلك فيلزم أن يكون طبق ما اقترن به.
قيل : ومن استعمال صيغة أفعل لغير التفضيل قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)(٣) وقوله تعالى : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ)(٤) أي : وهو هيّن عليه ، وربّكم عالم بكم.
وقول الشاعر :
__________________
(١) الشاهد في الحديث «أحبكم وأقربكم وأحاسنكم» فقد أفرد أحب وأقرب وهو في الجميع واحد تقديره «ألا أخبركم بقوم أحبكم وأقربكم .. أحاسنكم» فدل هذا على جواز الوجهين على السواء.
(٢) الناقص هو يزيد بن عبد الملك بن مروان سمي به لنقصه أرزاق الجند ، والأشجّ : عمر بن عبد العزيز سمي به لشجة كانت في وجهه.
الشاهد في قولهم : «أعدلا بني مروان» فان الاسم «أعدلا» ليس مقصودا منه التفضيل بل هو مستعمل بمعنى اسم الفاعل «عادلا» لأنه لا يوجد في خلفاء بني مروان عادل سواهما ـ ولهذا وجبت المطابقة وامتنع الإفراد.
(٣) الآية ٢٧ من سورة الروم.
(٤) الآية ٥٤ من سورة الإسراء.