قيل له : إنما أراد : وحرف جاء لمعنى ، في الاسم والفعل ، وذلك أن الحروف إنما تجيء للتأكيد ، كقولك : " إن زيدا أخوك" ، وللنفي كقولك : " ما زيد أخاك" و" لم يقم أبوك" ، وللعطف كقولنا : " قام زيد وعمرو" ولغير ذلك من المعاني التي تحدث في الأسماء والأفعال ، وإنما تجيء الحروف مؤثرة في غيرها بالنفي والإثبات ، والجمع والتفريق ، وغير ذلك من المعاني.
والأسماء والأفعال معانيها في أنفسها ، قائمة صحيحة ، والدليل على ذلك أنه إذا قيل : ما الإنسان؟ كان الجواب عن ذلك أن يقال : الذي يكون حيّا ناطقا كاتبا ، وإذا قيل ما الفرس؟ قال : الذي يكون حيّا له أربع قوائم وصهيل ، وغير ذلك من الأوصاف ، التي تخص المسمى.
وإذا قيل : ما معنى" قام"؟ قيل : وقوع قيام في زمان ماض فعقل معناه في نفسه قبل أن يتجاوز به إلى غيره ، وليس كذلك الحروف ؛ لأنه إذا قيل ما معنى" من"؟ كان الجواب :
أنه يبعّض بها الجزء من الكل ، الجزء غير" من" وكذلك الكل ، ولم يعقل معنى تحتها غير الجزء والكل ، فعلمنا أنها تؤثر في المعاني ، ولا يعقل معناها إلا بغيرها.
ووجه آخر ، وهو أن قوله : وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل.
أي جاء لمعنى ذلك المعنى ليس باسم ، أي : ليس بدال عليه الاسم ، " ولا فعل" أي : بدال عليه الفعل.
وفيه جواب آخر ، وهو أن حروف المعاني ، لما كانت تدخل لتغيير معنى ما تدخل عليه ، أو إحداث معنى لم يكن فيه ، فإذا انفردت لم تدل على ذلك ، صارت بمنزلة الياء والتاء والنون والهمزة ، اللاتي يدللن على الاستقبال ، والألف التي تدخل في" ضارب" زائدة على حروف" ضرب" وتدل على اسم الفاعل ، وحروف المضارعة ، وألف ضارب وما يجري مجراه ـ كبعض حروف ما دخلن عليه ، لتغييرها معنى إلى معنى كتغيير حروف المضارعة ، وألف" ضارب".
وأما" الاسم" فإن سيبويه لم يحده بحد ينفصل به عن غيره ، وينماز من الفعل والحرف ، وذكر منه مثالا اكتفى به عن غيره ، فقال : " الاسم رجل وفرس".
وإنما اختار هذا ؛ لأنه أخف الأسماء الثلاثية ، وأخفها ما كان نكرة للجنس ، وهذا نحو" رجل وفرس".