وربما احتجّ بعض النحويين بأن يقول : الفاعل من المفعول ؛ لأنه محتاج إليه ، فجعل له أقوى الحركات للمشاكلة. وقد احتج بعضهم بأن قال : أوّل ما يرد من الأسماء الفاعل ، فيرد والنفس جامّة ، فاستعمل له أقوى الحركات ؛ لقوة النّفس عند وروده على إتمام النطق ، وجعل أخفّ الحركات لما بعده.
وقد احتج بعضهم بأن الفاعل مضارع للمبتدأ ؛ لأنه يخبر عنه بفعله الذي قبله ، كما يخبر عن المبتدأ بخبره الذي بعده ، فالفعل والفاعل كالمبتدأ والخبر ، إلا في التقديم والتأخير والزّمان الذي يدلّ على صيغة الفعل ، ألا ترى أنّك إذا قلت : " قام زيد" فمعناه" زيد قائم" إلا أن" قام زيد" قد دلّ على زمان متقدّم ، والقيام الذي به خبّرت عن زيد ملفوظ به قبله. وإذا قلت : " زيد قائم" فهو غير دالّ على زمان متقدّم أو متأخر.
واعلم أن قولنا : فاعل وفعل ليس المقصد فيه إلى أن يكون الفاعل مخترعا للفعل على حقيقته ، وإنما يقصد في ذلك إلى اللفظ الذي لقّبناه فعلا في أول الكتاب الدال بصيغته على الأزمنة المختلفة ، متى ما بنيناه لاسم ورفعناه به ، سواء كان مخترعا له أو غير مخترع رفعناه به وسمّيناه فاعلا من طريق النحو ، لا على حقيقة الفعل ، ألا ترى أنا نقول : " مات زيد" ، ولم يفعل موتا ، ونقول من طريق النحو : " مات" فعل ماض و" زيد" فاعله ، و" طلعت الشّمس" و" انتصبت الخشبة" و" نظف ثوبك" ، وما أشبه ذلك من الأفعال التي لا تحصى.
وقد ينقل الفعل عن الاسم الذي سميناه فاعلا ، ويحذف الفاعل ، ويغير لفظ الفعل ، ويرفع به ما كان مفعولا في اللفظ ، كقولنا : " ضرب زيد عمرا" ، تحذف زيدا وتغير الفعل ، وتبنيه لعمرو. وسبيل هذا سبيل الفاعل الذي بنينا له الفعل ، ورفعناه به ، غير أنّ النحويين يسمّون هذا الفعل : فعل مفعول به ؛ لأنه قد كان له فاعل حذف وغيّر لفظ الفعل بالحركات ، والعمل فيها واحد ، فالذي يرتفع بالفعل هو الذي يشغل الفعل به سواء كان فاعلا أو مفعولا أقيم مقام الفاعل. ومعنى شغل الفعل به أنّك تجعله خبرا غير مستغن عنه. وذلك معنى قول سيبويه : " لأنّك لم تشغل الفعل بغيره" يعني إذا قلت : " ضرب زيد" لم تشغل الفعل بغيره ، ولو شغلت الفعل بغيره لنصبته كقولك : " ضرب عمرو زيدا".
ثم قال سيبويه بعد أن مثّل فعل الفاعل وهو : " ذهب زيد" ، وفعل المفعول وهو : " ضرب زيد" فقال : " والأسماء المحدّث عنها والأمثلة دليلة على ما مضى وعلى ما لم