ثم قال : " وانتصب زيد ، لأنه مفعول تعدّى إليه فعل الفاعل". وقد بينا هذا.
ثم قال : " إن قدّمت المفعول وأخّرت الفاعل جرى اللفظ كما جرى في الأوّل ، وذلك قولك : ضرب زيدا عبد الله ؛ لأنك إنما أردت به مؤخّرا ما أردت به مقدّما ، ولم ترد أن تشغل الفعل بأوّل منه ، وإن كان مؤخّرا في اللفظ ، فمن ثمّ كان حد اللفظ أن يكون فيه مقدما وهو عربيّ جيّد كثير ، كأنهم يقدمون الذي بيانه أهم لهم ، وهم ببيانه أعني ، وإن كانا جميعا يهمّانهم ويعنيانهم".
قال أبو سعيد : أمّا قولهم : " ضرب زيدا عبد الله" ، فإنهم قدّموا المفعول على الفاعل لدلالة الإعراب عليه ، فلم يضرّ من جهة المعنى تقديمه ، واكتسبوا بتقديمه ضربا من التوسّع في الكلام ؛ لأن في كلامهم الشّعر المقفّى والكلام المسجّع ، وربما اتفق أن يكون السجع في الفاعل فيؤخّرونه.
فإذا وقع في الكلام ما لا يتبين فيه الإعراب في فاعل ولا مفعول قدّم الفاعل لا غير ، كقولهم : " ضرب عيسى موسى" ، فعيسى هو الفاعل لا غير ، وإن بان الإعراب في أحدهما جاز التقديم والتأخير ، كقولك : " ضرب زيدا عيسى" و" ضرب عيسى زيدا".
والفاعل كيفما تصرفت فيه الحال ، فهو الذي يبنى له الفعل ، والمفعول كالفضلة في الكلام ؛ للاستغناء عنه ، والفاعل وإن كان مؤخرا في اللفظ فإن تقديره التقديم ؛ لأن الفعل لا يستغنى عنه.
وقول سيبويه : " فمن ثم كان حدّ اللفظ أن يكون فيه مقدّما".
يعني إنما أردت أن تشغل الفعل بالفاعل وتبنيه له ، وإن كان في اللفظ مؤخرا ، أو لم ترد أن يبنى الفعل لاسم قبل الفاعل ، وهو قوله : " أن تشغل الفعل بأوّل منه" يعني بالمفعول الذي هو قبله ، لأن حدّ اللفظ أن يكون مقدّما ، وليس يريد بقوله : " حد اللفظ" أن يكون تقديم الفاعل هو حدّ اللفظ الذي لا يحسن غيره ، وإنما نريد بحد اللفظ : ترتيبه وتقديره.
وقوله : " وهو عربي جيّد كثير". يريد به تقديم المفعول ، وردّ كلامه هذا إلى قوله : " وإن قدّمت المفعول وأخّرت الفاعل".
وقوله : " كأنهم يقدّمون الذي بيانه أهم". معنى ذلك أنه قد تكون أغراض الناس في فعل ما أن يقع بإنسان بعينه ، ولا يبالون من أوقعه به ، كمثل ما يريده الناس من قتل