بعض العرب : من كانت أمّك ، حيث أوقع (من) على مؤنّث".
قال أبو سعيد : اعلم أن (من) و (ما) لهما لفظ ومعنى ، والألفاظ الجارية عليهما يحق أن تكون محمولة على لفظيهما ومعناهما ، فإذا جرت على لفظهما ، كان مذكّرا موحّدا ، تقول : " من قام" سواء أردت واحدا أو اثنين أو جماعة من مذكر ومؤنث ، وكذلك : " ما أصابك" سواء أردت به شيئا أو شيئين من مذكر ومؤنث.
ويجوز أن تحمل الكلام على معناهما ، فتقول : " من قامت" إذا أردت مؤنثا ، وفيكم من يختصمان ، ومن يقومان ، ومن يقمن ، ومن يقومون. قال الله تعالى : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً)(١) فذكّر" يقنت" على لفظ" من" ، وأنّث" تعمل" على معناها ، ولو ذكرهما على اللفظ أو أنّثهما على المعنى لجاز.
وبعض الكوفيين يزعم أنه لا يجوز تذكير الثاني ؛ لأنه قد ظهر تأنيث المعنى بقوله :
" منكن" وهذا غلط لأنّا إنما نردّه إلى لفظ (من) وقد قال الله تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً)(٢) ، فقال تعالى : " ومن يؤمن" موحدا على لفظ" من" ، ثم قال : " خالدين" على المعنى ، ثم رجع إلى اللفظ فقال تعالى : " قد أحسن الله له رزقا" ، فبطل بما ذكرناه ما توهمه الكوفي.
وقال الله تعالى في جمع (من) على المعنى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ)(٣) وعلى اللفظ : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ)(٤) وقال تعالى : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ)(٥) ثم قال تعالى : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٦) على المعنى.
ثم قال الفرزدق في التثنية :
__________________
(١) سورة الأحزاب ، آية : ٣١.
(٢) سورة الطلاق ، آية : ١١.
(٣) سورة يونس ، آية : ٤٢.
(٤) سورة الأنعام ، آية : ٢٥.
(٥) سورة البقرة ، آية : ١١٢.
(٦) سورة البقرة ، آية : ١١٢.