تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني |
|
نكن مثل من يا ذئب يصطحبان (١) |
فثنّاه على المعنى. وكذلك الحكم في" ما" ، تقول : " ما نتج من نوقك" و" ما نتجت من نوقك" و" ما نتجن من نوقك" ، فإذا قلت : " ما نتج من نوقك" فهو على لفظ (ما) فإذا قلت : " ما نتجت" فهو على معنى ناقة ، كأنك قلت : أية ناقة نتجت من نوقك ، وإذا قلت" ما نتجن من نوقك" فكأنه يسأله عن جماعة نتجن من نوقه ، ويقدّر اللفظ على تقدير : أيّ نوق نتجن من نوقك ، ولو كنت سائلا عن ناقتين ، ثم حملت الكلام على المعنى لقلت : ما نتجتا من نوقك.
وأمام قول العرب : " ما جاءت حاجتك" ، فالأصل في" جاء" أن يكون فعلا كسائر الأفعال ، منهم من لا يجعله متعديا ، فيقول : " جاء زيد إلى عمرو" ، كما تقول : " قام زيد إلى عمرو" ومنهم من يعدّيه فيقول : " جاء زيد عمرا" كما تقول : " لقى زيد عمرا" ، ويكون الفاعل غير المفعول.
فأما قول العرب : " ما جاءت حاجتك" ، فقد أجروها مجرى صارت ، وجعلوا لها اسما وخبرا وهو الاسم ، كما كان ذلك في باب كان وأخواتها ؛ فجعلوا (ما) مبتدأ وجعلوا في (جاءت) ضمير" ما" وجعلوا ذلك الضمير اسم جاءت ، وجعلوا (حاجتك) خبر" جاءت" فصار بمنزلة" هند كانت أختك" وأنثّوا" جاءت" لتأنيث معنى" ما" فكأنه قال : أية حاجة جاءت حاجتك ، وجعلوا" جاء" بمنزلة" صار" وإدخالها على اسم وخبر هو غير معروف إلا في هذا ، وهو من أمثال العرب ، ولم يسمع إلا بتأنيث" جاءت" وأجروه مجرى" صارت" لضرب من الشّبه بينهما ، وذلك أنك تقول : " صار زيد إلى عمر" كما تقول : " جاء زيد إلى عمرو" ؛ ففي" جاء" من الانتقال ما في" صار" ، فحملوا" ما جاءت حاجتك" في جعل الاسم والخبر له على" صار" في جعل الاسم والخبر له إذ قلت : " صار الّطين خزفا" و" صار زيد منطلقا" لما بينهما من الاشتراك في معنى الانتقال ، وإنما يقوله الرجل للرجل إذا أتاه في معنى قوله : " ما جاء بك" ويقال إن أول ما شهرت هذه الكلمة من قول الخوارج لابن عباس حين أتاهم يستدعي منهم الرجوع إلى الحقّ من قبل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
__________________
(١) البيت في ديوانه ٨٧٠ ، وسيبويه ١ / ٤٠٤ ، وابن يعيش ٤ / ١٣ ، والخزانة ١ / ٤٦١.