وقول سيبويه : " ولكنه أدخل التأنيث على (ما) حيث كانت الحاجة".
يعني أنّث" جاءت" لمعنى التأنيث في (ما) ؛ لأن معناها : أيّة حاجة ، ولو حمل" جاء" على لفظ" ما" لقال : " ما جاء حاجتك" إلا أنّ العرب لا تستعمل هذا المثل إلا مؤنثا والأمثال إنّما تحكي.
وقول العرب : " من كانت أمّك" جعلوا (من) مبتدأة ، وجعلوا في كانت ضميرا لها ، وجعلوا ذلك الضمير اسم كان وجعلوا" أمّك" خبرها وأنثوا" كان" على معنى" من" فكأنه قال : " أيّة امرأة كانت أمّك".
قال سيبويه : " وإنما صيّر جاء بمنزلة كان في هذا الحرف ؛ لأنه بمنزلة المثل كما جعلوا عسى بمنزلة كان في قولهم : " عسى الغوير أبؤسا". ولا تقول : عسيت أخانا. وكما جعلوا" لدن" لها مع" غدوة" حالة ليست مع غيرها ، مع غدوة منّونة ، كقولهم : لدن غدوة ومن كلامهم أن يجعلوا الشيء في موضع على غير حاله في سائر الكلام ، وسترى مثل ذلك إن شاء الله تعالى".
قال أبو سعيد : أما قوله : " إنما صير جاء بمنزلة كان في هذا الحرف" يعني أنهم جعلوا له اسما وخبرا ، كما جعلوا لكان ، وقد بينّا هذا. ومثل ذلك : " عسى الغوير أبؤسا" جعلوا الغوير اسم عسى ومرفوعا به ، وأبؤسا خبر الغوير ، فجرت" عسى" مجرى" كان" في أن لها اسما وخبرا في هذا المثل فقط. ولو قال قائل : " عسى زيد أخاك" ، كما تقول : " كان زيد أخاك" لم يجز ، وإنما أراد أن يريك أن" جاء" و" عسى" في الكلام في غير هذين المثلين ليسا بمنزلة" كان" وصيّرا في هذا الموضع بمنزلة كان في العمل.
وقولهم : " عسى الغوير أبؤسا" يقال إن" الزبّاء" الرّومية هي التي قالته لما أتاها" قصير" بصناديق فيها رجال طالبا لثأر جذيمة الأبرش منها ، فأخذ في طريق الغار مريدا للإيقاع بها ، ولم يكن الطريق الذي يسلكه إليها ذلك الطريق ، فلما أحسّت بذلك قالت : عسى الغوير أبؤسا.
وأبؤس جمع بأس فكأنها قالت : صار الغوير أبؤسا ، إلا أنّ عسى فيها معنى الشكّ والتوقّع ، وصار لليقين فعسى هاهنا وإن أجريناها مجرى (صار) و (كان) ، فهي غير خارجة من معنى الشك ، فكأنها قالت : عسى الغوير أن يأتيني البأس من قبله.
والغوير تصغير الغار. وفي الناس من يقول : عسى الغوير أن يكون أبؤسا ، فينصب