مختلفين. فإن قلت" قام زيد في الدار وفي القصر عمرو" جاز ؛ لأنك أعدت أحد العاملين فصار العطف على عامل واحد وهو" قام".
وقد أجاز الأخفش وغيره من البصريين العطف على عاملين ، فقالوا : " قام زيد في الدار والقصر عمرو" ، وقدموا في العطف المجرور على المرفوع ؛ لأن الجار والمجرور كالشيء الواحد. ولم يجيزوا" قام زيد في الدار ، وعمرو القصر" لئلا يفصل بين الجار والمجرور ، واحتجوا بأشياء أخر : منها قوله تعالى : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(١). فقالوا : (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) مجرور بالعطف على المجرور الذي قبله. والعامل في قوله : (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)" إن" وهو منصوب بالعطف على ما عمل فيه" إن" ، فصار بمنزلة قولك : " إن في الدار لزيدا والقصر عمرا". فرد أبو العباس هذه القراءة ؛ لأنه كان مذهبه إبطال العطف على عاملين مختلفين ، وقدّر أن هذه القراءة لا بد فيها من العطف على عاملين ، ورفع" الآيات" في الآيتين الأخريين ليتخلص من العطف على عاملين ، فلزمه في الرفع مثل ما فر منه ، ذلك أنه جر (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) بالعطف على ما قبله. والعامل في رفع الآيات ، فيقال له : لم رفعتها؟ فلا بد من أن يكون رفعها بالابتداء عطف على موضع" إن" ، كما تقول : " إن زيدا في الدار وعمرو" ، فإذا صار كذلك ، فقد عطف على عاملين ، وهما في موضع" إن" ، الذي هو الابتداء.
فإن قال : أجعله كلاما مستأنفا ، وأعطف جملة على جملة.
قيل له : فلا بد من ذكر حرف الجر في الجملة الثانية إذ كانت مستأنفة ، ألا ترى أنا لا نقول : " ... القصر عمرو" ، على معنى" في القصر عمرو".
وقد احتجوا بأبيات ظاهرها العطف على عاملين ، وهي تخرج على تأويل لا يكون عطفا على عاملين ، منها قول أبي النجم :
أوصيت من برّة قلبا حرّا |
|
بالكلب خيرا والحماة شرا |
فقالوا : " الحماة" مجرور بالعطف على" الكلب" ، والعامل" الباء" ، " والشرّ" منصوب
__________________
(١) سورة الجاثية ، الآيات : ٣ ـ ٥.