تقدمت ، فليس قبله معنى يمنعها من جعل المصدر مكانها. ألا ترى أنا نقول : " أن تصوم خير لك" ، إنما تريد : الصوم خير لك ، ولو جعلنا" الصوم" مكان" أن تصوم" لجاز ، ولا يجوز مع" عسى" أن تنقل إلى لفظ المصدر" أن" ، فتقول : " عسى زيد الصوم" ، مكان" عسى زيد أن يصوم" ، فلما أحدثت" عسى" هذا المعنى في" أن" لم تقدم عليها.
قال سيبويه : (ومثل ذلك" ما أدري أزيدا مررت به أم عمرا" و" ما أبالي أعبد الله لقيت أخاه أم عمرا" ؛ لأنه حرف استفهام وهي تلك الألف التي في قولك : " أزيدا لقيته أم عمرا").
يعني : لأن حرف الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، فإذا كان قبله فعل فهو ملغى ، وإنما يقع قبله من الأفعال ما كان من أفعال القلوب نحو : العلم ، والظن ، والشك ، والمبالاة ؛ وما كان من أفعال اللسان ، نحو : القول ، والإخبار ، والزعم ، فإذا ألغي الفعل الذي قبل الاستفهام ، صار الاستفهام كأنه مبتدأ ، فأجرى على حكمه إذا كان مبتدأ.
قال : (وتقول : أعبد الله ضرب أخوه زيدا ، لا يكون إلا الرفع ؛ لأن الذي من سبب عبد الله مرفوع فاعل ، والذي من مسببه مفعول ، فيرفع إذا ارتفع الذي من سببه كما ينتصب إذا انتصب ، ويكون المضمر ما يرفع كما أضمرت في الأول ما ينصب ، فإنما جعل هذا المضمر بيان ما هو مثله).
يعني : أنه يجوز أن تنصب" عبد الله" ؛ لأن نصبه يكون من وجهين :
إما أن يكون الفعل الذي بعده واقعا على ضميره ، فيضمر فعل ينصبه.
وإما أن يكون الفعل الذي بعده واقعا على سببه فيضمر ما ينصبه على حسب ما قدمنا ، وهذه المسألة الفعل فيها واقع من سببه بزيد ، فوجب رفع" عبد الله" على أحد وجهين :
إما أن يكون بالابتداء ، وإما أن يكون بإضمار فعل يرفع ، كأنك قلت : ألا بس عبد الله زيدا ضرب أخوه زيدا.
وقول سيبويه : (ويكون المضمر ما يرفع ، كما أضمرت في الأول ما ينصب).
يحتمل هذين الوجهين : إن شئت قدرت الابتداء ، وإن شئت قدرت فعلا ، ويكون المضمر بمعنى المقدر. وإنما أضمرت فعلا يرفع" عبد الله" ، إذ كان سببه فاعلا ، كما أضمرت فعلا ينصبه ، حيث كان سببه مفعولا في قولك : " أعبد الله ضرب أخاه زيد".