قال : (واعلم أنّ" قلت" ، إنما وقعت في كلام العرب على أن يحكي بها ، وإنما يحكى بعد القول ما كان كلاما لا قولا نحو قولك : " قلت زيد منطلق" ، لأنه يحسن أن تقول : " زيد منطلق" ، ولا تدخل" قلت" ، وما لم يكن هكذا أسقطنا القول عليه).
قال أبو سعيد : اعلم أن" قلت" ، و" قال" ، و" تقول" ، وما تصرف منه أفعال لا بد لها من فاعلين ، وهي بمنزلة الفعل الذي لا يتعدى من وجه ، وبمنزلة الفعل الذي يتعدى إلى مفعول من وجه.
فأما شبهها بالفعل الذي لا يتعدى ، فلأنها لا مفعول لها تصل إليه تنصبه غير مصدرها والظرف والحال فيها. لا تقول : " قال زيد عمرا" ، كما لا تقول : " قام زيد عمرا" ، ولكن تقول : " قال زيد قولا يوم الجمعة منطلقا خلفك" ، كما تقول : " قام زيد قيامك خلفك يوم الجمعة ضاحكا".
وأما شبهها بالفعل الذي يتعدى إلى مفعول فهو أن الجمل تقع بعدها على لفظ اللافظ بها ، فتكون الجمل التي تقع بعدها بمنزلة المفعول ، وذلك قولك : " قال زيد عمرو منطلق" ، و" قال زيد قام أخوك ، وقال زيد" إن عمرا منطلق (فقوله): " عمرو منطلق" ، و" قام أخوك" جملة وقع عليها القول فلم يغيرها ، وحكيت بعدها على لفظ اللافظ بها ، وصارت في موضع المفعول المنصوب فيما يتعدى من الأفعال إلى مفعول وهو قولك : " ضرب زيد عمرا".
وأما قوله : (وإنما يحكى بعد القول ما كان كلاما).
يعني : ما كان جملة قد عمل بعضها في بعض.
وقوله : (لا قولا).
يعني : لا مصدرا له ؛ لأنه يعمل في مصدره ، كقولك : " قال زيد قولا حسنا" و" قال كلاما حسنا" لأنه في معنى : " قال قولا جيدا" ، وقال خيرا" ، " وقال حقا" ؛ لأنه يراد : " قال قولا خيرا ، وقال قولا حقا".
وقوله : (ولا تدخل" قلت").
يعني : أن الجمل التي يقع عليها القول يجوز أن تلفظ بها ، ولا يدخل القول ؛ لأنك إذا قلت : " قال زيد عمرو منطلق" جاز أن تقول : " عمرو منطلق" ، من غير أن تقول : " قال زيد".