وقوله : (وما لم يكن هكذا سقط القول عليه).
يعني : ما لم تكن جملة نحو المصدر والظرف والحال سقط القول عليه وعمل فيه.
قال سيبويه : (وتقول : " قال زيد إن عمرا خير الناس" ، وتصديق ذلك قول الله تعالى : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ)(١) ولو لا ذلك لقال" أن" (الله)).
يعني : أن" أنّ" إنما تكسر إذا وقعت مبتدأة ، ولم يعمل فيها ما قبلها كقولك : " إن زيدا قائم" ، فإذا عمل فيها ما قبلها فتحت كقولك : " بلغني أن زيدا قائم" ، و" ظننت أن زيدا قائم" ، فلما قال تعالى : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ ... إِنَّ اللهَ ... ،) علمنا أن القول لم يعمل فيها ، وأن الجملة حكيت على لفظها قبل أن يدخل القول ، ولو عمل القول لقال" أنّ" على ما بينا في الظن.
قال : (وكذلك" جميع" ما تصرف من فعله. إلا" تقول" وحدها في الاستفهام. شبهوها في الاستفهام ب" تظن" ، ولم يجعلوها ك" يظن" ، و" أظن" في الاستفهام ؛ لأنه لا يكاد يستفهم المخاطب عن ظنّ لغيره ، ولا يستفهم (هو) إلا عن ظنه ، فإنما جعلت ك" تظن" ، كما أن" ما" ك" ليس" في لغة أهل الحجاز ما دامت في معناها. فإذا تغيرت عن ذلك أو قدم الخبر رجعت إلى القياس ، وصارت اللغات فيها كلغة بني تميم).
قال أبو سعيد : أعلم أن القول قد يستعمل في معنى الظن والاعتقاد وذلك أن القول والظن يدخلان على جملة ، فتصورها في القلب هو الظن أو العلم ، والعبارة عنها باللسان هو القول ومن ذلك قول القائل : " هذا قول فلان" ، و" مذهب فلان".
ومن العرب من يعمل القول إعمال الظن على كل حال ، فيقول : " قلت زيدا منطلقا" ، كما تقول : " علمت زيدا منطلقا" ، و" ظننت زيدا منطلقا" ، وفيهم من يجعله بمنزلة الظن إذا استفهم المخاطب خاصة ، فيقول : " أقلت زيدا منطلقا" ، و" أتقول زيدا منطلقا" ، على معنى : " أظننت زيدا منطلقا" ، و" أتظنّ زيدا منطلقا" ، وإنما يفعل ذلك في المخاطب إذا استفهم عن ظنه ؛ لأن أكثر ما يقول الإنسان لمخاطبه : " أتقول كذا وكذا في كذا ، أو ما تقول في كذا" إنما يريد به ما يعتقد إلى أي شيء يذهب. ألا ترى أنك لو قلت
__________________
(١) سورة آل عمران ، آية : ٤٢.