إن الوعي الحقيقي بالتأريخ تشكل مع اكتشاف الإنسان للكتابة ، بينما كان الإنسان قبل ذلك يعيش انقطاعا عن أمسه ، لكن الكتابة استدعت التأريخ فجعلته حاضرا بين يديه ، ولم يعد الماضي غائبا عن الذاكرة ، وإنما صار الزمان بساطا واحدا ممتدا ، بعد أن حولت الكتابة ماضيه إلى حاضر.
ظهور الكتابة والمكتبات
ذهب الكثير من الباحثين إلى أن السومريين هم أول من ترك لنا تراثا واسعا مكتوبا ، بل انتهى معظم الباحثين إلى أن الكتابة ظهرت في الحضارة السومرية ، واستعملت على نطاق واسع ، فقد «عرفت الحاضرة العراقية الوركاء (أوروك تقع في جنوب شرقي السماوة) ، وقبل أية منطقة في العالم أصول التدوين ، وذلك قبل أكثر من خمسة آلاف سنة ، حيث عثر في الطبقة الرابعة » ب «من المدينة المذكورة وفي أحد معابدها على أكثر من ألف رقيم طيني ، تتضمن وثائق اقتصادية بأقدم أنواع الكتابة وبأبسط أشكالها ، وهي الكتابة الصورية Pictographic وذلك في حدود ٣٥٠٠ ق. م في العصر المسمى (الشبيه بالكتابي protoliterate) ، ويشمل هذا الدور النصف الثاني من عصر الوركاء وعصر جمدة نصر» (٢).
وقد بدأت الكتابة عند السومريين باستخدام الإشارات التصويرية ، «ففي ذلك الوقت كان السومريون يستعملون نحو ٢٠٠٠ إشارة تصويرية ، إلا أن هذا العدد أخذ يقل تدريجيا نتيجة لتزايد ارتباط الإشارات بالأصوات حتى وصل عددها إلى ٥٠٠ ـ ٦٠٠ إشارة خلال الألف الثانية قبل الميلاد» (٣).
__________________
(٢) إسماعيل ، د. بهيجة خليل. الكتابة. في : حضارة العراق ١ / ٢٢١. بغداد : ١٩٨٥ م.
(٣) ستيبتشفيتش ، د. الكندر. تأريخ الكتاب. ترجمة : د. محمد الارناؤوط. الكويت : مجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، ١٩٩٣ م ، ق ١ : ص ١٣.