سبيله ، لأمر معجب ويدعو إلى الفخر والزهو ، حيث إن هذا الكنز الغني من «تراثنا» ينشر ، وتعرف من خلاله مصادر فكرنا الخالد ، وروافده الموثوقة ، المتصلة بمعين الوحي الإلهي.
لكن قد يكدر صفو هذا الزهو والإعجاب ما ينشره بعض المتطفلين على علوم الحديث ، من أعمال لا تتسم بالمسؤولية العلمية ، ولا تعتمد موازين الفن فتصبح أعمالهم كعمل (التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) [النحل ١٦ : ٩٢] أو (كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء) [النور ٢٤ : ٣٩] ، من قبيل لجوء بعضهم إلى ما يسميه «نقد متن الحديث» على حساب «سند الحديث».
إن «نقد الحديث» عموما : يعتبر من أهم ما اضطلع به علماء الإسلام ، لتصفية هذا المصدر الثر من كل الشوائب والأكدار.
وهو ـ بشروطه ومقرراته ـ من بدائع فكر المسلمين ، ومميزات تراثهم وحضارتهم ، ومما يفتخرون به من مناهج البحث والتنقيب العلمي ، على جميع الأمم والحضارات القديمة والحديثة ، سواء الإلهية المرتبطة بالأديان السماوية ، أم البشرية الوضعية المستندة إلى قوانين لأرض.
فقرروا قواعد ، وأسسا ، وموازين ، مضبوطة محكمة صحيحة ، لنقد الحديث ـ سندا ومتنا ـ لمعرفة صحيحه من زيفه ، وحقه من باطله ، حتى أصبح «نص» الحديث ، من أوثق ما يعتمد عليه من النصوص القديمة وحتى الحديثة ، اعتمادا على سبل الإثبات المعقولة والمتعارفة.
وقد بذل الأسلاف الكرام جهودا مضنية في سبيل تنقية الحديث ، وتنقيحه ، حتى أن الواحد منهم كان ينتخب ما يثبته في كتابه ، بعد التثبت ، من بين عشرات الآلاف من الأحاديث المتوفرة ، وبعد سنوات عديدة من الفحص والتأكد ، والترحال ، فيجمع في كتابه «الجامع» ما يراه حجة بينه وبين الله.
فخلفوا كنوزا وذخائر عظيمة من التراث الحديثي المنقح ، والمنقود ، والمنظم ، والمدون ، وألفوا الأصول والمصنفات ، والمسانيد ، والجوامع.