وقوله :
قل لمن رام النوى عن وطن |
|
قولة ليس بها من حرج |
فرّج الهمّ بسكنى جلّق |
|
إن في جلّق باب الفرج |
وله غير هذه الأبيات الكثير من المقطوعات الشعرية الدالّة على حبه لها وإعجابه بأهلها ، كما أن له الكثير من النثر الدالّ على ذلك ومنه قوله :
«لو تعرضت لأسمائهم ـ أسماء أهلها ـ وحلاهم أدام الله تعالى سؤددهم وعلاهم ، لضاق عن ذلك النطاق ، وكان من شبه التكليف بما لا يطاق ، فليت شعري بأي أسلوب أؤدي بعض حقهم المطلوب ، أم بأي لسان أثني على مزاياهم الحسان ، وما عسى أن أقول في قوم نسقوا الفضائل ولاء ، وتعاطوا أكواب المحامد ملاء ، وسحبوا من المجد مطارف وملاء ، وحازوا المكارم ، وبذوا الموادد والمصارم ، سؤددا وعلاء ، فهم الذين نوّهوا بقدري الخامل ، وظنوا مع نقصي أن بحر معرفتي وافر كامل حسبما اقتضاه طبعهم العالي».
ومما زاده تعلقا بالشام أنها ذكرته ببلاده التي ارتحل عنها مرغما وهو يقول : «وقد تذكرت بلادي النائية بذلك المرأى الشامي الذي يبهر رائيه ، فما شئت من أنهار ذات انسجام ، وأزهار متوجة للأرواح ، مروحة للنفوس بعاطر الأرواح ، وحدائق تغشى أنوارها الأحداق ، وجنان أفنانها في الحسن ذوات أفنان .. وعند رؤيتي لتلك الأقطار الجليلة الأوصاف ، العظيمة الأخطار ، تفاءلت بالعودة إلى أوطان لي بها أوطار ، إذ التشابه بينهما قريب في الأنهار والأزهار ذات العرف المعطار ، وكنت قبل حلولي بالبقاع الشامية مولعا بالوطن لا سواه ، فصار القلب بعد ذلك مقسما بهواه ، ومحاسن الشام ، وأهله طويلة عريضة ، وهو مقر الأولياء والأنبياء ، ولا يجهل فضله إلا الأغمار الأغبياء».
وعرج في عودته إلى مصر من الشام على غزة ، فنزل فيها ضيفا على الشيخ غصين ، وتوسّط مع أمير غزة في بناء مدرسة لابن الشيخ غصين ، فكان له ما أراد.
ثم مضى إلى مصر ، وأكب على التأليف ، ولكن جو مصر لم يرقه ، ووجد الحسد والنفاق غالبين على أهلها ، بينما الآداب تجارة ليس لها بسوقها نفاق ، فزار دمشق ثانية في سنة ١٠٤٠ ه كما يروي صاحب خلاصة الأثر ، ولقي من الإكرام مثل ما لقيه في قدمته الأولى ، وعاد إلى مصر ، واستقر بها مدة يسيرة ، ثم طلق زوجته الوفائية واعتزم العودة إلى دمشق للاستقرار بها فعاجلته المنية في جمادى الآخرة عام ١٠٤١ ه ودفن رحمه الله بمقبرة المجاورين.