الصنائع ، وشهامة الطباع ، ونفوذ الإدراك ، وإحكام التمدّن والاعتمار ، بما حرمه الكثير من الأقطار ممّا سواها ، انتهى.
قال أبو عامر السالمي (١) ، في كتابه المسمّى ب «درر القلائد وغرر الفوائد» : الأندلس من الإقليم الشامي ، وهو خير الأقاليم ، وأعدلها هواء وترابا ، وأعذبها ماء ، وأطيبها هواء وحيوانا ونباتا ، وهو أوسط الأقاليم ، وخير الأمور أوساطها (٢) ، انتهى.
قال أبو عبيد البكري : الأندلس شامية في طيبها وهوائها ، يمانيّة في اعتدالها واستوائها ، هنديّة في عطرها وذكائها ، أهوازية في عظم جبايتها ، صينية في جواهر معادنها ، عدنيّة في منافع سواحلها ، فيها آثار عظيمة لليونانيين أهل الحكمة وحاملي الفلسفة ، وكان من ملوكهم الذين أثّروا الآثار بالأندلس هرقلس ، وله الأثر في الصنم بجزيرة قادس وصنم جلّيقيّة ، والأثر في مدينة طرّكونة (٣) ، الذي لا نظير له.
قال المسعودي (٤) : بلاد الأندلس تكون مسيرة عمائرها ومدنها نحو شهرين ، ولهم من المدن الموصوفة نحو من أربعين مدينة ، انتهى باختصار.
ونحوه لابن اليسع ، إذ قال : طولها من أربونة إلى أشبونة (٥) وهو قطع ستين يوما للفارس المجدّ ، وانتقد بأمرين : أحدهما أنه يقتضي أنّ أربونة داخلة في جزيرة الأندلس ، والصحيح أنها خارجة عنها ، والثاني أن قوله : «ستّين يوما للفارس المجدّ» إعياء وإفراط ، وقد قال جماعة : إنها شهر ونصف.
قال ابن سعيد : وهذا يقرب إذا لم يكن للفارس المجدّ ، والصحيح ما نصّ عليه الشريف (٦) من أنها مسيرة شهر ، وكذا قال الحجاري ، وقد سألت المسافرين المحقّقين عن ذلك فعملوا حسابا بالمراحل الجيدة أفضى إلى نحو شهر بنيّف قليل.
__________________
(١) هو أبو عامر محمد بن أحمد بن عامر السالمي ، له مؤلفات في الآداب والحديث والتاريخ ، ومن كتبه «درر القلائد وغرر الفوائد» (انظر : التكملة ص ٤٩٥).
(٢) في ب : أوسطها.
(٣) مدينة متصلة بأعمال طرطوشة ، تقع على شاطىء البحر على بعد خمسين ميلا من لاردة.
(٤) (انظر مروج الذهب ١ : ١٦٢).
(٥) أربونة : آخر ما استولى عليه العرب من جهة المشرق ، وأشبونة هي لشبونة عاصمة البرتغال.
(٦) يعني الشريف الإدريسي مؤلف كتاب «نزهة المشتاق».