أندلسان ، فالأندلس الشرقي منه ما صبّت أوديته إلى البحر الرومي المتوسط المتصاعد من أسفل أرض الأندلس إلى المشرق ، وذلك ما بين مدينة تدمير إلى سرقسطة ، والأندلس الغربي ما صبّت أوديته إلى البحر الكبير المعروف بالمحيط أسفل ذلك الحدّ إلى ساحل المغرب ، فالشرقي منهما يمطر بالريح الشرقية ، ويصلح عليها ، والغربيّ يمطر بالريح الغربية وبها صلاحه ، وجباله هابطة إلى الغرب جبلا بعد جبل. وإنما قسّمته الأوائل جزأين ؛ لاختلافهما في حال أمطارهما ، وذلك أنه مهما استحكمت الريح الغربية كثر مطر الأندلس الغربي وقحط الأندلس الشرقي ، ومتى استحكمت الريح الشرقية كثر مطر الأندلس الشرقيّ وقحط الغربي ، وأودية هذا القسم تجري من الشرق إلى الغرب بين هذه الجبال. وجبال الأندلس الغربي تمتدّ إلى الشرق جبلا بعد جبل. تقطع من الجوف إلى القبلة ، والأودية التي تخرج من تلك الجبال يقطع بعضها إلى القبلة وبعضها إلى الشرق ، وتنصبّ كلّها إلى البحر المحيط بالأندلس (١) القاطع إلى الشام ، وهو البحر الرومي ، وما كان من بلاد جوفي الأندلس من بلاد جلّيقيّة وما يليها فإنّ أوديته تنصبّ إلى البحر الكبير المحيط بناحية الجوف.
وصفة الأندلس شكل مركّن على مثال الشكل المثلث : ركنها الواحد فيما بين الجنوب والمغرب حيث اجتماع البحرين عند صنم قادس ، وركنها الثاني في بلد جلّيقيّة حيث الصنم المشبه صنم قادس مقابل جزيرة برطانية ، وركنها الثالث بين مدينة بربونة ومدينة برذيل من بلد الفرنجة بحيث يقرب البحر المحيط من البحر الشامي المتوسط ، فيكادان يجتمعان في ذلك الموضع ، فيصير بلد الأندلس جزيرة بينهما في الحقيقة ، لو لا أنه يبقى بينهما برزخ برية صحراء وعمارة مسافة مسيرة يوم للراكب ، منه المدخل إلى الأرض الكبيرة التي يقال لها الأبواب ، ومن قبله يتصل بلد الأندلس بتلك البلاد المعروفة بالأرض الكبيرة ذات الألسن المختلفة.
قال : وأوّل من سكن بالأندلس (٢) على قديم الأيام فيما نقله الأخباريون من بعد عهد الطوفان على ما يذكره علماء عجمها قوم يعرفون ب «الأندلش» ـ معجمة الشين ـ بهم سمّي المكان ، فعرّب فيما بعد بالسين غير المعجمة ، كانوا الذين عمروها وتناسلوا فيها وتداولوا ملكها دهرا ، على دين التمجّس والإهمال والإفساد في الأرض ، ثم أخذهم الله بذنوبهم ، فحبس المطر عنهم ، ووالى القحط عليهم ، وأعطش بلادهم حتى نضبت مياهها ، وغارت
__________________
(١) في ب : إلى البحر المتوسط للأندلس.
(٢) في ب : الأندلس.