ثم أتى عليه ما أتى على القرون قبله ، وكان ملكه كله عشرين سنة ، وتمادى ملك الإشبانيين بعده إلى أن ملك منهم الأندلس خمسة وخمسون ملكا.
ثم دخل على هؤلاء الإشبانيين من عجم رومة أمّة يدعون البشتولقات ، وملكهم طلويش (١) بن بيطة ، وذلك زمن بعث المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام! أتوا الأندلس من قبل رومة ، وكانوا يملكون إفرنجة معها ، ويبعثون عمالهم إليها ، فاتخذوا دار مملكتهم بالأندلس مدينة ماردة ، واستولوا على مملكة الأندلس ، واتصل ملكهم بها مدّة إلى أن ملك منهم سبعة وعشرون ملكا.
ثم دخل على هؤلاء البشتولقات أمّة القوط مع ملك لهم ، فغلبوا على الأندلس ، واقتطعوها من يومئذ من صاحب رومة ، وتفرّدوا بسلطانهم ، واتخذوا مدينة طليطلة دار مملكتهم ، وأقرّوا بها سرير ملكهم ، فبقي بإشبيلية علم الإشبانيين ورياسة أوليتهم.
وقد كان عيسى المسيح عليه السلام ، بعث الحواريين في الأرض يدعون الخلق إلى ديانته ، فاختلف الناس عليهم ، وقتلوا بعضهم ، واستجاب لهم كثير منهم ، وكان من أسرعهم إجابة لمن جاءه من هؤلاء الحواريين خشندش (٢) ملك القوط ، فتنصّر ، ودعا قومه إلى النصرانية ، وكان من صميم أعاظمهم وخير من تنصّر من ملوكهم ، وأجمعوا على أنه لم يكن فيهم أعدل منه حكما ، ولا أرشد رأيا ، ولا أحسن سيرة ، ولا أجود تدبيرا ، فكان الذي أصّل النصرانية في مملكته ، ومضى أهلها على سنّته إلى اليوم ، وحكموا بها ، والإنجيلات في المصاحف الأربعة التي يختلفون فيها من انتساخه وجمعه وتثقيفه ، فتناسقت ملوك القوط بالأندلس بعده إلى أن غلبتهم العرب عليها ، وأظهر الله تعالى دين الإسلام على جميع الأديان.
فوقع في تواريخ العجم القديمة أنّ عدّة ملوك هؤلاء القوط بالأندلس من عهد أتاناوينوس الذي ملك في السنة الخامسة من مملكة فلبش القيصري لمضيّ أربعمائة وسبع من تاريخ الصفر المشهور عند العجم إلى عهد لذريق آخرهم الذي ملك في السنة التاسعة والأربعين وسبعمائة من تاريخ الصفر ، وهو الذي دخلت عليه العرب فأزالت دولة القوط ، ستة وثلاثون ملكا ، وأن مدّة أيام ملكهم بالأندلس ثلاثمائة واثنتان وأربعون سنة ، انتهى (٣).
__________________
(١) في ب : طلوبش.
(٢) في الروض المعطار : دخشوش ، وفي ابن عذاري : وخشندش : وهو أول من تنصّر من القوط.
(٣) في الروض : «والإنجيلات أو المصاحف الأربعة من انتساخه وجمعه وتثقيفه».