أعلام الأعلام ، فينجرّ بنا الكلام ، والحديث شجون ، وبالتفنن يبلغ المستفيدون ما يرجون إلى ذكر البلاد الأندلسية ، ووصف رياضها السندسية التي هي بالحسن منوطة .. فصرت أورد من بدائع بلغائها ما يجري على لساني ، وأسرد من كلام وزيرها لسان الدين بن الخطيب ما تثيره المناسبة وتقتضيه من النظم الجزل ، والإنشاء الذي يدهش به ذاكرة الألباب ، وتعرفه في فنون البلاغة حالي الولاية والعزل ، إذ هو فارس النظم والنثر في ذلك العصر ، فلما تكرر ذلك غير مرة على أسماعهم لهجوا به دون غيره حتى صار كأنه كلمة إجماعهم ، وعلق بقلوبهم ، وأضحى منتهى مطلوبهم».
ثم ذكر في المقدمة أسباب إقدامه على تأليف الكتاب ، ولعل أهمها إصرار المولى أحمد الشاهيني على تأليف هذا الكتاب في بديع ما أنتجته قريحة لسان الدين بن الخطيب ، ولكن المؤلف اعتذر وقدم بين يدي اعتذاره الأسباب ، غير أن الشاهيني أصر على طلبه ، ولم يقبل منه عذرا حتى وعد بالعمل على التأليف.
وبعد أن وصل المقري إلى القاهرة واستقر بمصر وضع تصميم الكتاب وكتب منه نبذة ، غير أن أحوال الدهر وتقلباته جعلته يضرب عن إكمال ما بدأ ، لكن الشاهيني عاد يذكره من جديد بما وعد ، ويستنجز وعده راجيا إكماله مما شجعه على العودة إلى إتمام الكتاب. وحدث له حين الشروع بالتأليف عزم على زيادة ذكر الأندلس جملة قبل الحديث عن لسان الدين ، وساعده على ذلك افتتانه بها حتى ليظن قارىء النفح أنه أندلسي الأصل والمولد والنشأة ، إضافة إلى سبق اهتمامه بالأدب والتاريخ الأندلسيين ، واقتنائه في المغرب كثيرا من هذه الكتب ، وقد ذكر ذلك فقال : «ولو حضرني ما خلفته مما جمعت في ذلك الغرض وألفته لقرّت به عيون وسرّت به ألباب». ولعل هذه النقطة بالذات تجعلنا نرجح أن زيارته دمشق وطلب الشاهيني منه تأليف كتاب عن لسان الدين بن الخطيب لم يكونا إلا إزالة الستار عن أشياء في ذهن أديبنا ، وأنه كان في ذهنه ، ومنذ زمن بعيد ، أن يكتب في هذا الموضوع ، ولكن كانت تؤخره ظروف وأحوال ، حتى كان القرار النهائي بعد زيارة دمشق.
والجدير بالذكر هنا أن المقري لم يكن يهدف من تأليف الكتاب ربحا ماديا ، أو مصلحة عاجلة «لم يكن جمعي ـ علم الله ـ هذا التأليف لرفد استهديه ، أو عرض نائل أستجديه ، بل لحق ودّ أؤديه ، ودين وعد أقدمه وأبديه ، وتلبية داع أحييه وأفديه».
ويتحدث المقري عن تنسيق الكتاب فيقول : «بعد أن ضمنت تمام هذا التصنيف ، وأمعنت النظر فيما حصل التقريظ لسامعه والتشنيف قسمته قسمين : القسم الأول فيما يتعلق بالأندلس من الأخبار. والقسم الثاني في التعريف بلسان الدين بن الخطيب».