من عدوّهم ، إذ كانوا خلقا عظيما في بلاد كثيرة واسعة جليلة متّصلة العمارة آهلة تدعى الأرض الكبيرة ، هم أكثر عددا من الجليقيين وأشدّ بأسا وأحد شوكة وأعظم أمدادا. وهذه الأمة يحاربون أمّة الصقالبة المتّصلين بأرضهم لمخالفتهم إياهم في الديانة فيسبونهم ويبيعون رقيقهم بأرض الأندلس ، فلهم هنالك كثرة ، وتخصيهم للفرنجة يهود ذمّتهم الذين بأرضهم ، وفي ثغر المسلمين المتصل بهم ، فيحمل خصيانهم من هنالك إلى سائر البلاد ، وقد تعلم الخصاء قوم من المسلمين هناك ، فصاروا يخصون ويستحلّون المثلة.
قال ابن سعيد : ومخرج بحر الروم المتصاعد إلى الشام هو بساحل الأندلس الغربي بمكان يقال له الخضراء ما بين طنجة من أرض المغرب وبين الأندلس ، فيكون مقدار عرضه هناك كما زعموا ثمانية عشر ميلا ، وهذا عرض جزيرة طريف إلى قصر مصمودة بالقرب من سبتة ، وهناك كانت القنطرة التي يزعم الناس أن الإسكندر بناها ليعبر عليها من برّ الأندلس إلى برّ العدوة ، ويعرف هذا الموضع بالزقاق ، وهو صعب المجاز ؛ لأنه مجمع البحرين لا تزال الأمواج تتطاول فيه والماء يدور ، وطول هذا الزقاق الذي عرضه ثمانية عشر ميلا مضاعف ذلك إلى ميناء سبتة ، ومن هناك يأخذ البحر في الاتّساع إلى ثمانمائة ميل وأزيد ، ومنتهاه مدينة صور من الشام ، وفيه عدد عظيم من الجزائر.
قال بعضهم : إنها ثمان وعشرون جزيرة منها صقلية ومالطة وغيرهما ، انتهى ، وبعضه بالمعنى.
وقال بعضهم : عند وصفه ضيق بحر الزقاق قرب سبتة ، ما صورته : ثم يتّسع كلّما امتدّ حتى يسير إلى ما لا ذرع له ولا نهاية.
وقال بعضهم : وكان مبلغ خراج الأندلس الذي كان يؤدّى إلى ملوك بني أميّة قديما ثلاثمائة ألف دينار دراهم أندلسية كل سنة قوانين ، وعلى كل مدينة من مدائنهم مال معلوم ، فكانوا يعطون جندهم ورجالهم الثلث من ذلك مائة ألف دينار ، وينفقون في أمورهم ونوائبهم ومؤن أهليهم مائة ألف دينار ، ويدّخرون لحادث أيامهم مائة ألف دينار ، انتهى.
وذكر غيره أن الجباية كانت بالأندلس أيام عبد الرحمن الأوسط ألف ألف دينار في السنة ، وكانت قبل ذلك لا تزيد على ستمائة ألف ، حكاه ابن سعيد ، وقال : إن الأندلس مسيرة شهر مدن وعمائر.
وقال قاضي القضاة ابن خلدون الحضرمي في تاريخه الكبير ، ما صورته : كان هذا القطر الأندلسي من العدوة الشمالية من عدوتي البحر الرومي وبالجانب الغربي منها يسمّى عند العجم