وقد ذكر ابن حيان أنه بني على أمر عمر بن عبد العزيز ، رضي الله عنه ، ونصه : وقام فيها بأمره على النهر الأعظم بدار مملكتها قرطبة الجسر الأكبر الذي ما يعرف في الدنيا مثله ، انتهى.
وفيها يقول بعض علماء الأندلس : [البسيط]
بأربع فاقت الأمصار قرطبة |
|
منهنّ قنطرة الوادي ، وجامعها |
هاتان ثنتان ، والزهراء ثالثة ، |
|
والعلم أعظم شيء ، وهو رابعها |
وقال الحجاري في «المسهب» : كانت قرطبة في الدولة المروانية قبّة الإسلام ، ومجتمع أعلام الأنام ، بها استقرّ سرير الخلافة المروانية ، وفيها تمحّضت خلاصة القبائل المعدّية واليمانية ، وإليها كانت الرّحلة في الرواية إذ كانت مركز الكرماء ، ومعدن العلماء ، وهي من الأندلس بمنزلة الرأس من الجسد ، ونهرها من أحسن الأنهار ، مكتنف بديباج المروج مطرّز بالأزهار ، تصدح في جنباته الأطيار ، وتنعر النواعير ويبسم النّوّار ، وقرطاها الزاهرة والزهراء ، حاضرتا الملك وأفقاه النعماء والسرّاء. وإن كان قد أخنى عليها الزمان ، وغيّر بهجة أوجهها الحسان ، فتلك عادته وسل الخورنق والسدير وغمدان ، وقد أعذر بإنذاره إذ لم يزل ينادي بصروفه لا أمان لا أمان ، وقد قال الشاعر : [المتقارب]
وما زلت أسمع أنّ الملو |
|
ك تبني على قدر أخطارها |
وقال السلطان يعقوب المنصور ابن السلطان يوسف ابن السلطان عبد المؤمن بن علي لأحد رؤساء أجنادها : ما تقول في قرطبة؟ فخاطبه على ما يقتضيه كلام عامّة الأندلس بقوله: جوفها شمام ، وغربيها قمام ، وقبلتها مدام ، والجنة هي والسلام.
يعني بالشّمام جبال الورد ، ويعني بالقمام ما يؤكل إشارة إلى محرث الكنبانيّة (١) ، ويعني بالمدام النهر.
ولما قال والده السلطان يوسف بن عبد المؤمن لأبي عمران موسى بن سعيد العنسي : ما عندك في قرطبة؟ قال له : ما كان لي أن أتكلّم حتى أسمع مذهب أمير المؤمنين فيها ، فقال السلطان : إن ملوك بني أمية حين اتّخذوها حضرة مملكتهم لعلى بصيرة ، الديار المنفسحة
__________________
(١) الكنبانية : قال ياقوت : ناحية بالأندلس قرب قرطبة. وهذا تعريف قاصر إذ الكنبانية هي الأراضي الزراعية السهلة أينما كانت. وينسب إلى الكنبانية محمد بن قاسم بن محمد الأموي الجاحظي الكنباني.