وقال صاحب مناهج (١) الفكر ، عند ذكر إشبيلية : وهذه المدينة من أحسن مدن الدنيا ، وبأهلها يضرب المثل في الخلاعة ، وانتهاز فرصة الزمان الساعة بعد الساعة ، ويعينهم على ذلك واديها الفرج ، وناديها البهج ، وهذا الوادي يأتيها من قرطبة ، ويجزر في كل يوم ، ولها جبل الشّرف ، وهو تراب أحمر طوله من الشمال إلى الجنوب أربعون ميلا ، وعرضه من المشرق إلى المغرب اثنا عشر ميلا ، يشتمل على مائتين وعشرين قرية ، قد التحفت بأشجار الزيتون واشتملت ، انتهى.
ولكورة باجة (٢) من الكور الغربية التي كانت من أعمال إشبيلية أيام بني عبّاد خاصّيّة في دباغة الأديم وصناعة الكتّان ، وفيها معدن فضّة ، وبها ولد المعتمد بن عبّاد ، وهي متصلة بكورة ماردة.
ولجبل طارق حوز قصب السّبق بنسبته إلى طارق مولى موسى بن نصير ، إذ كان أوّل ما حلّ به مع المسلمين من بلاد الأندلس عند الفتح ، ولذا شهر بجبل الفتح وهو مقابل الجزيرة الخضراء ، وقد تجوّن البحر هنالك مستديرا حتى صار مكان هذا الجبل كالناظر للجزيرة الخضراء ، وفيه يقول مطرّف (٣) شاعر غرناطة : [الطويل]
وأقود قد ألقى على البحر متنه |
|
فأصبح عن قود الجبال بمعزل (٤) |
يعرّض نحو الأفق وجها كأنما |
|
تراقب عيناه كواكب منزل |
وإذا أقبل عليه المسافرون من جهة سبتة في البحر بان كأنه سرج ، قال أبو الحسن علي بن موسى بن سعيد : أقبلت عليه مرة مع والدي فنظرنا إليه على تلك الصفة ، فقال والدي : أجز : [المجتث]
انظر إلى جبل الفت |
|
ح راكبا متن لجّ |
فقلت : [المجتث]
وقد تفتّح مثل ال |
|
أفنان في شكل سرج |
__________________
(١) في أ: منهاج الفكر.
(٢) باجة : تقع على بعد ١٤٠ كم جنوب شرقي أشبونة وكانت تضم كورة واسعة.
(٣) هو أبو الحسن مطرف بن مطرف المتوفى سنة (٦٠٩ ه) من أهل غرناطة ، قتل في وقعة «العقاب» (انظر : المغرب ٢ : ١٢٠).
(٤) الأقود : أراد به الجبل الطويل ، وبمعزل : أي بمكان ناء بعيد.