والحقيقة أننا لا بد من الاعتراف للمؤلف التواضع بقيمة هذا الكتاب ، فهو رغم استطراداته الكثيرة وانتقاله من موضوع إلى آخر ، وعودته مرات إلى موضوع سبق له بحثه ، قادر على تصوير الحياة السياسية والاجتماعية والأدبية بالأندلس فجاء كتابه شافيا في موضوعه ، منتشلا من براثن الضياع كثيرا من المادة التي لو لاه لضاعت ، ولقد ساعد على ذلك هذا الطابع الموسوعي الذي اتخذه الكتاب ، فكان مغنيا عن عشرات الكتب.
تحقيق الكتاب وشرحه :
يعتبر نفح الطيب أقدم الكتب الأندلسية التي رأت النور وعرفتها المطبعة العربية ، ويعد مصدرا لأكثر ما عرفه المشارقة عن الأندلس ، وهذا ما حدا بنا إلى إعادة تحقيقه رغم أن الكتاب قد طبع طبعات متعددة لا تخلو من دقة وعناية إلا أننا حاولنا أن نستفيد من اجتهادات السابقين ، وضبط الكتاب ضبطا دقيقا بحيث تكون هذه الطبعة الجديدة قريبة من الكمال ، ترضي المقري ، رحمه الله.
إضافة إلى أننا وجدنا أن بعض الطبعات والتحقيقات قد أغفلت شرح كثير من الكلمات التي يجب شرحها ليتسنى لمن يريد الإفادة من الكتاب أن يصل إلى بغيته دون كثير عناء ، كذلك فإن وجود طبعات متعددة للكتاب الواحد لا ينقص من قيمته ، وإخراج طبعة جديدة يعتبر بعثا جديدا للكتاب بحلة جديدة وإغناء للمكتبة العربية بهذا التراث الخالد.
ودار الفكر التي حرصت منذ تأسيسها على تعميم هذا التراث وتوفيره للقارىء العربي بأبسط السبل تقدم اليوم هذه الموسوعة ، نفح الطيب بطبعة جديدة وتحقيق جديد.
فقد أوكلنا للأستاذ يوسف الشيخ محمد البقاعي النهوض بهذا العمل الشاقّ والدقيق فحمل الأمانة وأداها بجلد وصبر ومسئولية وقام بتحقيق الكتاب ، وضبط ما يحتاج إلى الضبط منه ، والتعريف بما رأى التعريف به من أعلام رجالاته وبلدانه ، وشرح غريب كلماته. وقد اعتمد في تحقيقه وشرحه ، على جميع الطبعات التي ظهرت للكتاب حتى يومنا هذا. وبعد أن تأكّد أن محققي الكتاب قد بذلوا كل جهد يشكرون عليه.
وصف النسخ التي اعتمدنا عليها :
١ ـ طبعة بولاق في عام ١٢٧٩ ه ، وهي طبعة جيدة إلا أنها لا تخلو من تصحيف وقد اعتمدت للمقارنة ورمزنا إليها بحرف ج.
٢ ـ طبعة ليدن عام ١٨٥٥ م هي طبعة جيدة تولّاها بالعناية المستشرقون دوزي ودوجا وكريل ورايت. وقد اعتمد هؤلاء على نسخ خطية توفرت لهم من لندن وباريس وأكسفورد وبرلين وبطرسبرج وكوبنهاجن. ومع أن هذه الطبعة لم تشمل إلا القسم