للساكن ، والثواب مذخور للمقيم والظاعن ، إلى أن قال عند ذكره غرناطة ما نصّه : قاعدة بلاد الأندلس ، وعروس مدنها ، وخارجها لا نظير له في الدنيا ، وهو مسيرة أربعين ميلا ، يخترقه نهر شنيل المشهور ، وسواه من الأنهار الكثيرة ، والبساتين الجليلة ، والجنّات والرياضات والقصور ، والكروم محدقة بها من كل جهة ، ومن عجيب مواضعها عين الدمع ، وهو جبل فيه الرياضات والبساتين ، لا مثل له بسواها ، انتهى.
وقال الشقندي : غرناطة دمشق بلاد الأندلس ، ومسرح الأبصار ، ومطمح الأنفس ، ولم تخل من أشراف أماثل ، وعلماء أكابر ، وشعراء أفاضل ، ولو لم يكن بها إلّا ما خصّها الله تعالى به من كونها قد نبع فيها النساء الشواعر كنزهون القلعية (١) والرّكونية وغيرهما ، وناهيك بهما في الظّرف والأدب ، انتهى.
ولبعضهم يتشوّق إلى غرناطة فيما ذكره بعض المؤرخين ، والصواب أن الأبيات قيلت في قرطبة كما مرّ ، والله أعلم. [الطويل]
أغرناطة الغرّاء هل لي أوبة |
|
إليك؟ وهل يدنو لنا ذلك العهد؟ |
سقى الجانب الغربيّ منك غمامة (٢) |
|
وقعقع في ساحات روضتك الرّعد؟ |
لياليك أسحار ، وأرضك جنّة ، |
|
وتربك في استنشاقها عنبر ورد |
وقال ابن مالك الرّعيني : [الطويل]
رعى الله بالحمراء عيشا قطعته |
|
ذهبت به للأنس ، والليل قد ذهب |
ترى الأرض منها فضّة فإذا اكتست |
|
بشمس الضّحى عادت سبيكتها ذهب |
وهو القائل : [الرمل]
لا تظنّوا أنّ شوقي خمدا |
|
بعدكم أو أنّ دمعي جمدا |
كيف أسلو عن أناس مثلهم |
|
قلّ أن تبصر عيني أحدا |
وغرناطة من أحسن بلاد الأندلس ، وتسمّى بدمشق الأندلس ؛ لأنها أشبه شيء بها ، ويشقّها نهر حدرة ، ويطلّ عليها الجبل المسمّى بشلير الذي لا يزول الثلج عنه شتاء وصيفا ،
__________________
(١) نزهون القلعية ، والرّكونية : شاعرتان سيأتي ذكرهما فيما بعد.
والقلعية : نسبة إلى القلعة ، والقلعة إقليم من كورة قبرة ، وفي الأندلس مدينتان باسم القلعة. إحداهما قلعة أيوب بقرب مدينة سالم والأخرى قلعة رباح. (صفة جزيرة الأندلس ص ١٦٣).
(٢) في ب : غمائم.