ترفيع المقدار ، فكيف وفضلكم أشهر من محيّا النهار؟ ولقاؤكم أشهى الآمال وآثر الأوطار ، فإن قوي عزمكم والله يقوّيه ، ويعيننا من برّكم على ما ننويه ، فالبلاد بلادكم ، وما فيها طريفكم وتلادكم (١) ، وكهولها إخوانكم ، وأحداثها أولادكم ، ونرجو أن تجدوا لذكركم الله في رباها حلاوة زائدة ، ولا تعدموا من روح الله فيها فائدة ، وتتكيّف نفسكم فيها تكيّفات تقصر عنها خلوات السلوك ، إلى ملك الملوك ، حتى تغتبطوا بفضل الله الذي يوليكم ، وتروا أثر رحمته فيكم ، وتخلفوا فخر هذا الانقطاع إلى الله في قبيلكم وبنيكم ، وتختموا العمر الطيب بالجهاد الذي يعليكم ، ومن الله تعالى يدنيكم ، فنبيّكم العربي صلوات الله عليه وسلامه نبيّ الرحمة والملاحم ، ومعمل الصوارم ، وبجهاد الفرنج ختم عمل جهاده والأعمال بالخواتم ، هذا على بعد بلادهم من بلاده ، وأنتم أحقّ الناس باقتفاء جهاده ، والاستباق إلى آماده ، هذا ما عندنا حثثناكم عليه ، وندبناكم إليه ، وأنتم في إيثار هذا الجوار ، ومقارضة ما عندنا بقدومكم على بلادنا من الاستبشار ، بحسب ما يخلق عنكم من بيده مقادة الاختيار ، وتصريف الليل والنهار ، وتقليب القلوب وإجالة الأفكار ، وإذا تعارضت الحظوظ فما عند الله خير للأبرار ، والدار الآخرة دار القرار ، وخير الأعمال عمل أوصل إلى الجنة وباعد من النار ، ولتعلموا أنّ نفوس أهل الكشف والاطّلاع ، بهذه الأرجاء والأصقاع ، قد اتّفقت أخبارها ، واتّحدت أسرارها ، على البشارة بفتح قرب أوانه ، وأظلّ زمانه ، فنرجو الله أن تكونوا ممّن يحضر مدعاه (٢) ، ويكرم فيه مسعاه ، ويسلف فيه العمل الذي يشكره الله ويرعاه ، والسلام الكريم يخصّكم ورحمة الله وبركاته ، انتهى.
ولمّا دخل الأندلس أمير المسلمين عليّ بن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين اللّمتوني (٣) ملك المغرب والأندلس ، وأمعن النظر فيها ، وتأمّل وصفها وحالها ، قال : إنها تشبه عقابا مخالبه طليطلة ، وصدره قلعة رباح ، ورأسه جيّان ، ومنقاره غرناطة ، وجناحه الأيمن باسط إلى المغرب ، وجناحه الأيسر باسط إلى المشرق ، في خبر طويل لم يحضرني الآن ، إذ تركته مع كتبي بالمغرب ، جمعني الله بها على أحسن الأحوال!.
ومع كون أهل الأندلس سبّاق حلبة الجهاد ، مهطعين (٤) إلى داعيه من الجبال والوهاد ، فكان لهم في التّرف والنعيم والمجون ومداراة الشعراء خوف الهجاء محلّ وثير المهاد ، وسيأتي
__________________
(١) الطريف : المكتسب المستحدث من المال. والتلاد والتليد : القديم الموروث.
(٢) مدعاه : اسم مكان من الدعاء. أراد : أن تحضروا المكان الذي يدعى فيه إليه.
(٣) اللّمتوني : نسبة إلى لمتونة ، وهي قبيلة من قبائل البربر.
(٤) مهطعين : مسرعين.