في الباب السابع من هذا القسم من ذلك وغيره ما يشفي ويكفي ،
ولكن سنح لي أن أذكر هنا حكاية أبي بكر المخزومي الهجّاء المشهور الذي قال فيه لسان الدين بن الخطيب في الإحاطة (١) : إنه كان أعمى شديد الشرّ ، معروفا بالهجاء ، مسلّطا على الأعراض ، سريع الجواب ، ذكيّ الذهن ، فطنا للمعاريض (٢) ، سابقا في ميدان الهجاء ، فإذا مدح ضعف شعره. والحكاية هي ما حكاه أبو الحسن بن سعيد في الطالع السعيد ، إذ قال حكاية عن أبيه فيما أظن : قدم المذكور ـ يعني المخزومي ـ على غرناطة أيام ولاية أبي بكر بن سعيد ، ونزل قريبا مني ، وكنت أسمع به بنار صاعقة يرسلها الله على من يشاء من عباده ، ثم رأيت أن أبدأه بالتأنيس والإحسان ، فاستدعيته بهذه الأبيات : [المجتثّ]
يا ثانيا للمعرّي |
|
في حسن نظم ونثر |
وفرط ظرف ونبل |
|
وغوص فهم وفكر |
صل ثمّ واصل حفيّا |
|
بكلّ برّ وشكر |
وليس إلّا حديث |
|
كما زها عقد درّ |
وشادن يتغنّى |
|
على رباب وزمر |
وما يسامح فيه ال |
|
غفور من كأس خمر |
وبيننا عهد حلف |
|
لياسر حلف كفر |
نعم فجدّده عهدا |
|
بطيب شكر ويسر |
والكأس مثل رضاع |
|
ومن كمثلك يدري |
ووجّه له الوزير أبو بكر بن سعيد عبدا صغيرا قاده ، فلما استقرّ به المجلس ، وأفعمته روائح النّدّ والعود والأزهار ، وهزّت عطفه الأوتار ، قال : [البسيط]
دار السّعيديّ ذي أم دار رضوان |
|
ما تشتهي النّفس فيها حاضر داني (٣) |
سقت أباريقها للنّدّ سحب ندى |
|
تحدى برعد لأوتار وعيدان (٤) |
والبرق من كلّ دنّ ساكب مطرا |
|
يحيى به ميت أفكار وأشجان (٥) |
__________________
(١) الإحاطة ١ : ٤٣٢ ـ ٤٣٥.
(٢) المعاريض : التورية.
(٣) دار رضوان : هي الجنة. والداني : القريب.
(٤) تحدى : تساق. والأوتار والعيدان : من آلات الموسيقى.
(٥) الدنّ : خابية الخمر. والأشجان : الأحزان.