لها بذلك التشييد والتزيين ، وفي حصونها ما يبقى في محاربة العدوّ ما ينيّف على عشرين سنة لامتناع معاقلها ، ودربة أهلها على الحرب ، واعتيادهم لمجاورة العدوّ بالطّعن والضرب ، وكثرة ما تنخزن الغلة في مطاميرها (١) ، فمنها ما يطول صبره عليها نحوا من مائة سنة. قال ابن سعيد : ولذلك أدامها الله تعالى من وقت الفتح إلى الآن ، وإن كان العدوّ قد نقصها من أطرافها ، وشارك في أوساطها ففي البقية منعة عظيمة ، فأرض بقي فيها مثل إشبيلية وغرناطة ومالقة والمريّة وما ينضاف إلى هذه الحواضر العظيمة الممصّرة ، الرجاء فيها قويّ بحول الله وقوته ، انتهى.
قلت : قد خاب ذلك الرجاء ، وصارت تلك الأرجاء للكفر معرجا ، ونسأل الله تعالى الذي جعل للهمّ فرجا ، وللضيق مخرجا ، أن يعيد إليها كلمة الإسلام حتى يستنشق أهله منه فيها أرجا! آمين.
ومن غرائب الأندلس : البيلتان (٢) اللتان بطليطلة ، صنعهما عبد الرحمن لمّا سمع بخبر الطّلّسم الذي بمدينة أرين من أرض الهند ، وقد ذكره المسعودي ، وأنه يدور بإصبعه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، فصنع هو هاتين البيلتين خارج طليطلة في بيت مجوّف في جوف النهر الأعظم في الموضع المعروف بباب الدباغين ، ومن عجبهما أنهما يمتلئان وينحسران (٣) مع زيادة القمر ونقصانه ، وذلك أنّ أوّل انهلال الهلال يخرج فيهما يسير ماء ، فإذا أصبح كان فيهما ربع سبعهما من الماء ، فإذا كان آخر النهار كمل فيهما نصف سبع ، ولا يزال كذلك بين اليوم والليلة نصف سبع حتى يكمل من الشهر سبعة أيام وسبع ليال ، فيكون فيهما نصفهما ، ولا تزال كذلك الزيادة نصف سبع في اليوم والليلة حتى يكمل امتلاؤهما بكمال القمر ، فإذا كان في ليلة خمسة عشر وأخذ القمر في النقصان نقصتا بنقصان القمر كل يوم وليلة نصف سبع (٤) ، فإذا كان تسعة وعشرون من الشهر لا يبقى فيهما شيء من الماء ، وإذا تكلّف أحد حين تنقصان أن يملأهما وجلب لهما الماء ابتلعا (٥) ذلك من حينهما حتى لا يبقى فيهما إلّا
__________________
(١) المطامير : جمع مطمار ، وهو مكان تخزن فيه الحبوب.
(٢) البيلتان : مثنى بيلة وهي النافورة.
(٣) في ب : يمتلئان وينحسران.
(٤) في ب : حتى يتم القمر واحدا وعشرين يوما فينقص منهما نصفهما ولا يزال كذلك ينقص في كل يوم وليلة ونصف سبع.
(٥) في ب : ابتلعتا.