ولما ذكر ابن اليسع الأندلس قال : لا يتزوّد فيها أحد ماء حيث سلك ؛ لكثرة أنهارها وعيونها ، وربما لقي المسافر فيها في اليوم الواحد أربع مدائن ، ومن المعاقل والقرى ما لا يحصى ، وهي بطاح خضر ، وقصور بيض. انتهى.
قال ابن سعيد : وأنا أقول كلاما فيه كفاية : منذ خرجت من جزيرة الأندلس وطفت في برّ العدوة ، ورأيت مدنها العظيمة كمراكش وفاس وسلا وسبتة ، ثم طفت في إفريقية وما جاورها من المغرب الأوسط فرأيت بجاية وتونس ، ثم دخلت الديار المصرية فرأيت الإسكندرية والقاهرة والفسطاط ، ثم دخلت الشام فرأيت دمشق وحلب وما بينهما ـ لم أر ما يشبه رونق الأندلس في مياهها وأشجارها إلّا مدينة فاس بالمغرب الأقصى ، ومدينة دمشق بالشام ، وفي حماة مسحة أندلسية ، ولم أر ما يشبهها في حسن المباني والتشييد والتصنيع ، إلّا ما شيّد بمراكش في دولة بني عبد المؤمن ، وبعض أماكن في تونس ، وإن كان الغالب على تونس البناء بالحجارة كالإسكندرية ، ولكن الإسكندرية أفسح شوارع وأبسط وأبدع ، ومباني حلب داخلة فيما يستحسن ؛ لأنها من حجارة صلبة ، وفي وضعها وترتيبها إتقان ، انتهى.
ومن أحسن ما جاء من النظم في الأندلس قول ابن سفر المريني ، والإحسان له عادة : [البسيط]
في أرض أندلس تلتذّ نعماء |
|
ولا يفارق فيها القلب سرّاء |
وليس في غيرها بالعيش منتفع |
|
ولا تقوم بحقّ الأنس صهباء (١) |
وأين يعدل عن أرض تحضّ بها |
|
على المدامة أمواه وأفياء (٢) |
وكيف لا يبهج الأبصار رؤيتها |
|
وكلّ روض بها في الوشي صنعاء (٣) |
أنهارها فضّة ، والمسك تربتها |
|
والخزّ روضتها ، والدّرّ حصباء |
وللهواء بها لطف يرقّ به |
|
من لا يرقّ ، وتبدو منه أهواء |
ليس النسيم الذي يهفو بها سحرا |
|
ولا انتثار لآلي الطّلّ أنداء |
وإنما أرج النّدّ استثار بها |
|
في ماء ورد فطابت منه أرجاء |
وأين يبلغ منها ما أصنّفه |
|
وكيف يحوي الذي حازته إحصاء |
__________________
(١) منتفع : مصدر ميمي من نفع ، والصهباء : الخمر.
(٢) تحضّ : تحرض. أمواه : مياه. أفياء جمع فيء وهو الظلّ.
(٣) الوشي : نقش الثياب من كل لون. وصنعاء : بلدة باليمن كانت مشهورة بصناعة الحرير.